الأعراب، كوالد الخنساء التيحانية، تلك التي علقت شاباً من بني خفاجة يدعى جحوشاً، وقاست في حبها العارم ما أقض مضجعها، وشرد نومها، فكتمت أمرها عن صواحبها، وبعثت إلى أبيها التيحان تقول في غير اكتراث:
وإن لنا بالشام لو نستطيعه ... حبيباً لنا (يا تيحان) مصافيا
نعد له الأيام من حب ذكره ... ونحصي له (يا تيحان) اللياليا
فليت المطايا قد رفعنك مصعداً ... تجوب بأيديها الحزون الفيافيا
وإذن فهي لا تكتفي بإزعاج والدها، بل تتمنى أن يقود بنفسه مطاياه مصعداً إلى جنوب الشام ليكون رسولها الأمين إلى جحوش الحبيب، والغرام جنون فاضح، يولد الغرائب، ويأتي بالمتناقضات!!
أما الحالة الثانية: فلها من الظروف والملابسات ما يبررها لدى المنصف الأريب، إذ تكون العاشقة ثيباً مطلقة، فلا تؤاخذ على هيامها مؤاخذة غيرها من العذارى الناهدات، بل يلقي لها الحبل على الغارب، ويسلم إلى كفها الزمام. أضف إلى ذلك ما غرب عنها من خفر الكواعب، فقد ودعته إلى غير رجعة، يوم أن انخرطت في سلك الزوجات، ولديك أم الضحاك المحاربية فقد أمسكت عن الشعر الغزلي، حتى طلقها زوجها، وأحتمل عنها إلى مكان نازح، فهاج بها الشوق واندفعت تقول:
سألت المحبين الذين تحملوا ... تباريح هذا الحب في سالف الدهر
فقلت لهم ما يذهب الحب بعدما ... تبوأ ما بين الجوانح والصدر
فقالوا شفاء الحب حب يزيله ... على الفور أو نأي طويل على الهجر
وما الحب إلا سمع إذن ونظرة ... وحنة قلب عن حديث وعن ذكر
وسيعجب القارئ حين يجدها تكشف نقاب الحياء دفعة واحدة، فتعبر عن الحقيقة المكظومة إذ تنشد:
شفاء الحب تقبيل وضم ... وجر بالبطون على البطون
ورهز تهمل العينان منه ... وأخذ بالمناكب والقرون
وفي رأيي الغيرة أساس كل بلاء، فلولا أن الشاعرة قد تضايقت كثيراً بتطليقها وأقتران زوجها بغيرها، لما رددت هذا القول الجريء. وأن شئت فأنظر إلى ولادة بنت المستكفي