للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ميزانية هؤلاء المتعلمين فتضن بعدد من القروش هنا وتجود بعدد من الجنيهات هناك! ولا تعجب بعد ذلك إذا امتلأت على سعتها دور السينما وخلت على ضيقها دور الكتب، وإذا ماجت بالفارغين أسواق اللهو وأقفرت من الوافدين أسواق الفن!!

حتى أولئك الذين يقرئون في مصر قد أصبحوا قراء مقالة! إن أعصابهم لم تعد تحتمل عناء البحث العميق يتشعب فيه التحليل والتعليل، ولا مكاره الكتاب الضخم تتعدد فيه الفصول والأبواب إنهم يريدون مقالاً خفيفاً لطيفاً يفرغون منه على القهوة مع فنجان الشاي، ويلهون به في الترام عن طول الطريق، ويفزعون إليه في مقر العمل من فراغ الحياة!

إن أمامي وأنا أكتب هذه الكلمة كتاباً للفيلسوف الفرنسي سارتر عنوانه (الغثيان) وطبعته الثامنة والثلاثون. . . ولا تنس أن في كل طبعة من هذه الطبعات ألوفاً من النسخ يتلقفها ألوف من القراء! هذا في فرنسا وغير فرنسا من البلاد الأوربية، أما في مصر فتعال نسأل الكتاب عن موقفهم من دور النشر، وتعال نسأل القائمين على دور النشر عن موقفهم من الكتاب. . . إعراض من الجمهور القارئ عن شراء الكتب يتبعه في الكثير الغالب إعراض من الناشرين عن الطبع، وتكون النتيجة هذا الركود الذي لا يجدي معه الإنفاق على إخراج الآثار الأدبية من أموال المؤلفين.

ولقد نسيت أن أحدثك عن مشكلة أخرى تدخل في نطاق هذه المشكلة الرئيسية؛ وأعني بها مشكلة هذه الفئة من عشاق الإطلاع على حساب الغير. ترى كم يجني على المؤلف المصري هذا القارئ الذي يدفع من جيبه عشرين قرشاً ثمناً لكتاب من كتبه ثم يدفع به آخر الأمر إلى عشرات الأصدقاء من هواة الاستعارة الشخصية؟! إن أبلغ ما يمكن أن يساق إلى أمثال هؤلاء المتطفلين على موائد الأدب والمتعدين على حقوق الأدباء، هذه الكلمات التي قرأتها عن كاتب من كتاب الغرب قدم لأحد مؤلفاته بهذا النداء الساخر العميق: (أيها القارئ. . . أرجو أن لا تعير هذا الكتاب لأحد! إنك إن فعلت فقد سرقت مني قارئاً)!!

على ضوء هذا كله أرى الإقدام على إخراج كتاب في هذه الآونة مغامرة غير مرجوة الفائدة ولا مأمولة العواقب. . . وما دام عشاق الأدب في مصر قد طبعوا على هذا اللون الموجز من القراءات فلا بأس من أن ألتقي معهم كل أسبوع في رحاب هذه التعقيبات؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>