ولكنه ككل بشر تعرض لما يتعرض له كل كائن حي، فلم يدن بنبوته إلى مقام الألوهية، ولطالما حدث عن نفسه بهذا وأشباهه، حتى لا يفتن الناس عن دينهم، وما يرمي إليه من إصلاح واعتدال، وقد يقول قائل: أي خطر على الأمة مما تخوض فيه اليوم حتى ولو وصل إلى درجة المعتقدات؟ للناس أن يعتقدوا ما يشاءون فلا ضير على العامة من أي اعتقاد شخصي في مسألة كهذه، وأنا أقول: إن الذي دفعني إلى هذا الاعتراض خوفي الشديد من أناس يحترفون علم الغيب، ويصطنعونه أداة من أدوات العيش، يثرون من طريقه، ويتمتعون من أجله بقدسية وكرامة، في محيط العوام الذين يرتمون على أقدامهم، يستجلونهم المستقبل الغامض، ويستمطرون سحائبهم الجهام، وإن هؤلاء ليتمثلون في (أرباب الطرق) أو بعضهم، و (أهل الكشف) و (ضربات الرمل) ومن لا صلة لهم بدين ولا دنيا، وهم كثير، نعاني منهم الولايات، وهم شر مستطير بما يدعون إليه من تبطل، وما ينشرونه من فساد، فأحر بنا أن نأخذ على أيديهم ونشنها عليهم حربا عوانا، ونبين لهم في وضوح وجلاء أن الغيب محجوب عن النبيين، فكيف بهؤلاء الصعاليك المفاليك الذين لا يدفعون عن أنفسهم ضرا، ولا يرجون لها وقاراً، والدين الإسلامي دين بساطة ووضوح، لا تعقيد فيه، وهو يهدف إلى استقامة أمور الناس، وليس من المصلحة في دين ولا دينا أن يعلم أحد الغيب من دون الله، لئلا ينقلب العالم إلى مهزلة، تخضع للمؤثرات البشرية المتباينة، والتيارات العاطفية المتخالفة، ولئلا يتحكم الناس بعضهم في مصائر بعض، وليترك الأمر لله، يستأثر بعلمه، لتنظيم ملكه على أسس صالحة، من العلم والحكمة والتدبير؛ فهو وحده الذي يمسك السماوات والأرض، والكل بجانب عدله الإلهي سواء فإن أظهر على غيبه أحداً من خلقه، فإنما لتتم حكمته، ويكمل نظامه، ويتسق أمره (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً). . . في مقال الأستاذ ناصر متعة شائقة، ولكن عظمة النبي في أغنى الغنى عن ادعاء علم الغيب له، وبحسب المباحث ليلمس عظمته ويدل عليها، وإن ينهل من معين آيات الله، ويرشف كؤوس السنة النبوية المظهرة فهما حافلان بآيات الآيات في الدلالة على الفضائل والهداية إلى مكارم الأخلاق، التراث الخالد الذي ورثناه عن صفي الله وخاتم أنبيائه الذي أوحى إليه