ثم استولى على الملك، فكان الثالث من سلاطين الأتراك الذين جرى العرف بتسميتهم سلاطين المماليك
وكانت مصر في أيامهم تحيط بها عنون الأعداء من كل الجهات، فبينا كان أهل أوربا يدبرون الخطط ويجندون الجيوش الجرارة لغزوها، كان أحفاد جنكيز خان ملوك التتار العظام يدفقون جموعهم نحو الشام بعد أن اجتاحوا بلاد العراق وخربوها وأسالوا فيها الدماء أنهارا، فكان العصر عصر حرب ودفاع، وكانت الروح الغالبة روح الحرب والدفاع، وكان واجب الأمة الحرب والدفاع، وكان بيبرس من خير من مثل تلك الروح واستعد بكل قوة للحرب والدفاع، فكانت كل مظاهره مصبوغة بصبغة النضال والكفاح. كان الخليفة العباسي قد جاء إلى مصر مطروداً مشرداً بعد أن نكب التتار بلاد العراق، جاء إلى مصر يطلب فيها الأمن ويلتمس الحماية من سلطانها الأعظم بيبرس، وأحب أن يكافئ ذلك السلطان على حمايته ومساعدته مقدماً، فقلده السلطنة المصرية بصفته الحاكم الشرعي للدولة الإسلامية، وبذلك عمل على تثبيت مركزه وجعله حاكماً شرعياً إلى جانب كونه حاكماً بالسيف. فأمر السلطان فضربت لهذه المناسبة خيمة كبيرة في المطرية، وجلس السلطان على كرسي عظيم في صدرها، وكان طويل القامة مليح الشكل أبيض الوجه مستدير اللحية، وقد اختلط سوادها بالبياض يكاد يغلب عليه. وقد اصطف الأمراء حوله بحسب مراتبهم، لا يلتفت أحد منهم إلى يمين ولا إلى يسار، ولا يكلم أحد من إلى جواره ولا يشير إليه، فلقد كان هذا خروجاً على الآداب المقررة في المجلس السلطاني، ولم تكن ملابس هؤلاء الأمراء قد بلغت بعد ما بلغته من الزينة والزركشة في أيام السلاطين الذين أتوا فيما بعد كالسلطان قلاوون وابنه الملك الناصر محمد، وذلك لأن بيبرس كان لا يجد من فراغه متسعاً للتفكير في غير عدة الجهاد والنضال. فلم تكن ملابس هؤلاء الأمراء غير أقبية (أو جيب) بيضاء واسعة ضيقة الاكمام، ومناطق ساذجة لا ذهب فيها ولا جواهر، بل كانت من القطن المصبوغ، وكانت أخفافهم من جلد بلغاري أسود، فوق تلك الأخفاف خف ثان اسمه السقمان، وكان فوق الأقبية أو الجيب كمران فيهما حلق وأبزيم ومعلق فيهما صوالق (أو جيوب) جلد كبار يسع الواحد منها أكثر من نصف ويبة من القمح، ويغرز فيه منديل طوله ثلاثة أذرع، وكانت شعورهم مضفورة، وضفائرهم مدلاة في كيس حرير أحمر