للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من آراء في قواعدها أو فهوم في النصوص الأدبية، ولنبدأ بمذكراته في علم البيان.

والفكرة المتسلطة عليه في هذا الفن أن يجعل لكل عبارة من عباراته منبعا لمعاني نفسية يجب أن تثيرها في نفس المتكلم اولا، وفي نفس السامع ثانيا، وهو لذلك يتكلف العنت، ويركب الشطط في تخريج النصوص الأدبية. وهولا يؤمن بالماديات الصرفة في هذا الفن، ويكاد ينكر المحسات التي لا تثير معاني نفسية فحين يقول الشاعر مثلا:

تجهز فإما أن تزور ابن ضابئ ... عميرا، واما أن تزور المهلبا

هما خطتا خسف نجاؤك منهما ... ركوبك حوليا من الثلج أشهبا

لا يرى لهذا التشبيه معنى، لأن الشاعر لم يزد على أن فضل الفرس في البياض على الثلج دون أن يلاحظ العلاقات المعنوية بين المشبه به والمشبه؛ فتراه يقول مثلا حين يتكلم عن أغراض التشبيه (ومنها بيان حاله كما في تشبيه ثوب بآخر في السواد. . . الخ. هذه عبارة الخطيب القزويني صاحب الإيضاح فيعلق عليها الأستاذ قائلا: هذا كلام فارغ؛ لأن الإنسان حين يشبه السواد يلحظ فيه الانتشار والتغطية والإبهام، أي أثرا نفسيا يقع من رؤية هذا السواد، وعلى هذا الملحظ يشبه الليل). لا يا مولانا، هذا شيء وذاك شيء أخر، نعم قد يلاحظ المشبه بالسواد المعاني التي يثيرها في النفس، ولكن لا بأس أن يلاحظ مشبه أخر مجرد السواد. وليس هذا بالكلام الفارغ، وهو من أساليب العربية المقبولة بل وفي طبائع الناس أيضا فهم لا يزالون يلحقون شيئا بشيء في البياض أو الحمرة أو السواد أو ما شاءوا من لون، ولعله يلفت النظر إلى هذا التهجم الجائر على كلام العلم العلامة الخطيب القزويني، ومن معه من علماء البلاغة حين يقول (هذا كلام فارغ) ولا شك أن مثل هذا يمحو من أذهان المتعلمين ما لهؤلاء من هيبة وجلال، وبذلك لا ينتفعون بما كتبوا وألفوا ما داموا يحتقرونهم ويسمعون من أستاذهم هذا التنقص لهم، والغض منهم.

وقد ذهبت به هذه النظرة الجائرة إلى أن ينكر نوعا من التشبيه قد أطال علماء البلاغة ونقدة الأدب في امتداحه يقول:

(ولا زوردية تزهو بزرقتها ... بين الرياض على حمر اليواقيت

كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت)

المشبه زهرة البنفسج قائمة على ساقها، والمشبه به أوائل النار في أطراف كبريت، إذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>