أعجب الأشياء أن المبطل يغلب المحق. فيسرع معاوية ويقول:
- بل أعجب الأشياء أن يعطى الإنسان ما لا يستحق إذا كان لا يخاف
بلى فهو أعجب الأشياء. . . وهل يستحق عمرو مصر وهولا يخاف (الله)
ذلك رأي معاوية في عمرو. . . ثم انظر إلى معاوية يحترس من عمرو في كتاب توليته فيكتب:(على ألا ينقض شرط طاعة. . .) فيمسك عمرو بالقلم ويبدلها: (على ألا تنقض طاعة شرطا)
وعاش عمرو بعد ذلك ما شاء الله له أن يعيش، وأنجاه الله من يد قاتله لكي ينعم قليلا بالشجرة الخضراء التي خسر في سبيلها كل شيء. وتردد بين الشام كثيرا، ليجلس إلى معاوية. . ثم ليخلو إلى أولاده، وكانت مصر قد صارت له طعمة، فاطمأن باله وترك الكفاح والجلاد، ولكنه لم ينس الكسب والخسارة إلى آخر أيامه؛ فإنه لجالس مع معاوية يوما إذ سأله هذا ما بقي منك يا عمرو؟ فيجيب. مال أغرسه فأصيب من ثمرته وغلته. . .)
أجل لازال في سن السبعين يفكر في غرس المال والإصابة من ثمرته وغلته؛ وهكذا ينبغي أن يفهمه الناس، فأن اجتهاده في السياسة ونبوغه في الحرب كان مصدرهما شيئا واحدا: الرغبة في الكسب والربح. . وقد انتهت جهوده إلى شيء واحد، لا هو الملك ولا هو الثواب. . بل ليست هي الآخرة نفسها وإنما هي مصر. . أغنى ولايات الدولة وأوفرها مالا. وقد مات وخلف ألف ألف درهم كما يقول المسعودي ودورا عديدة كان يمتلكها في مصر والشام.