ولما أعلنت الحرب بين إيطاليا والدولة العلية، ونزلت جيوش الأولى شاطئ طرابلس، تحمس المصريون ذاكرين ما هم فيه وما بهم من ويلات الاحتلال الإنجليزي، يأسون جراح المجاهدين بفضل من المال وشيء من العون، رأينا (الوالدة) تتقدم الصفوف وخلفها الفضليات من نساء مصر يقمن بواجب الاغاثة، ويجمعن التبرعات، يوفين ما علبهن لله، وما في ذمتهن للحق والأخلاق
هذه (سوق الإحسان) نافقة ترأسها (الوالدة)، وتلك دعوة للتشاور بين سيدات مصر في (قصر الوالدة)، وفي الصباح تتحلى صحف مصر بفاتحة التبرعات مصدرة باسم (الوالدة)
وفي الحلمية الجديدة بناء جميل، تسمع به حركة ولا تسمع فيه لغواُ، يجمع كثيرين من أبناء البلاد، يتعلمون الصناعة، ينقل إليك الأثير نغمات آلاتهم توقع الأنشودة في تدعيم صناعة البلاد
فإذا خطوت إلى شارع سليمان باشا، راعك مخزن فاخو، فخاره وروعته قطع الأثاث المتقن برعت فيه أيدي المصريين والعبقرية الفنية الموروثة، فبينا نرى المخازن والمحال تطلى وتنسق إعلاناً عما بها إذا بذلك المعرض يحلي المكان ويعلن عنه
والعهد بذلك الحي أنه (إفرنجي) في مساكنه ومقاهيه ومخازنه، وإنك لمفترض إذن أن هذا المكان (لكريجر) أو (لجانسان)، أو غيرهما من تجار الأثاث الثمين. ولكنه قطعة من مدرسة الحلمية وقفت كالراووق لا تبقى للعرض إلا ماله قيمة حقيقية، تعلن في صدق عن حقيقة البلاد وأبناء البلاد ولإنتاج البلاد، في الحي الذي لا يقطنه إلا الأوربيون
وكذلك كانت (الوالدة) شغل السمع والبصر
التحقت بالمدرسة السعيدية، أجتاز من أجلها جسر قصر النيل في اليوم مرتين، فأمر بقصر (الوالدة) مرتين، ومن العجب أن يزداد المرء في كل نظرة شغفاُ بالقصر، وألا يكون لتكرار رؤيته إلا استزادة الإعجاب وامتلاء العين من محاسنه، على نقيض ما يعرو الإنسان عادة من ملل إذا تكرر المنظر، ولو في نزهة
كان (قصر الدوبارة) أحب أحياء القاهرة إلي. فإذا أردت ترويحاً عن نفسي سرت على شاطئالنيل حذاءه، وإذا شعرت بضيق طلبت تفريجه في سويعات المساء بين مغانيه، وإذا جلت بالجزيرة وقفت على النيل من الشاطئالغربي أنظر إليه، وكثيراً ما طالعت العسير من