ويكاد يكون عدم وقوفهم على الأدب العربي في الهند أثرا من آثار هذه الفكرة أو مثلها. كنت أردت أن أكتب كلمة في الموضوع هذا منذ نزلنا القاهرة من نصف عام، بل أكثر، ولكن حالت دونه الأمور التي لأجلها امتطينا صهوة الرحيل إلى مصر، وكتبت شيئاً في بعض المجلات والجرائد عن الحركة الدينية والنهضة السياسية في الهند، فوددت أن تكون رسالتي هذه إلى إخواننا المصريين وطلبة الأدب موضوع مقالتي في مجلة (الرسالة) الزهراء، وقد أزفت ساعة تفويض خباء الإقامة، فتكون مقالتي هذه في الرسالة رسالة وداع، والأمر كما قال النابغة:
أفد الترحل غير أن ركابنا ... لما نزل برجالنا وكأن قد
لست أريد في هذه النهزة ذكر الأدباء والشعراء في الهند، أو سرد تآليفهم في الأدب وتاريخ الأدب العربي وسمو مكانتهم في التفكير الأدبي، أو البحث عن شعر نوابغ الشعراء منهم، والموازنة بين أشعار هؤلاء وهؤلاء في هذا الصدد؛ فإن ذلك يستدعي نطاقاً أوسع مما عندي، غير أني أذكر شيئاً من شعر بعض علماء المعهد الديني القديم في الهند، وأم المعاهد الدينية فيها (أريد بها دار العلوم) بديوبند بالقرب من عاصمة الهند (دهلي).
إن هذه الجامعة العربية الدينية، كما أصبحت مثلا أعلى في نهضة الدين والعلوم الشرعية، كذلك أصبحت قدوة في الحركة الأدبية وثقافة اللغة العربية، فظلت بقعة ديوبند، تلك الأريضة الطيبة، مرتعاً خصباً لطلبة الأدب، ونبغت فيها نوابغ الأدب وجهابذة اللغة ورجال الشعر. وكثير من السياحين الناطقين بالضاد والزائرين لهذا المعهد من علماء البلاد العربية، لما نزلوا هناك شاهدوا للأدب فيه وجوهاً باسمة، وطلعات وسيمة، ورأوا فيه للشعر العربي ارتياحاً، ولاقوا في ترحيبهم نغمات ترق لها قلوب من قصائد عربية أنطقتهم بكلمات طيبة تبدي شعورهم وتأثر نفوسهم بتأثرات دقيقة نحو هذه النهضة
وأخيراً، هذه البعثة الأزهرية قوبلت هناك بحفاوة واحتفال هز أعطافهم، وقام خطيبهم رئيس البعثة، فأثنى جميل الثناء على ما شاهد من نهضتهم وأبدى إحساسه العميق نحوهم على الرغم مما أبداه في تقرير البعثة لمصالح سياسية أدركناها
هذا المعهد العظيم بلغ شعره ألوف الأبيات عالم من علمائه في شتى نواحي الشعر، وهو