للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أول ما التفت إلى (فيفي) العزيز دون غيره، وتهافت عليه يعانقه ويلحس وجهه بلسانه ويئن أنيناً من فرط حنينه وفرحه؛ وجهدنا جهداً شديداً في التنحية بينه وبين مولاه الصغير لفرط ما أرهقه بتحياته ومجاملاته، وكنا سبعة منا أستاذ في علم الزراعة والحيوان، وأخ له أديب جم الإطلاع، وصديق مهذب من أدباء الموظفين، وسيدة إنجليزية وابنها اليافع، ووالد فيفي وكاتب هذه السطور، فأتعبنا الكلب الأمين الودود جد التعب ونحن نبعده من هنا فيرجع من هناك على حال من اللهفة والاشتياق تجلب الدمع إلى الآماق. فماذا بين بيجو ومولاه فيفي من البر والمجازاة غير الصلة النفسية التي لا شأن لها بالطعام والشراب؟ ولماذا يحسب نفسه تابعاً للطفل ولا يحسب نفسه تابعاً لأبيه؟ أنه لا يفقه أنهم أهدوه إلى فيفي الصغير ليكون لعبته وحارسه وعشيره، ولكنه قد يفقه أنه نده وقرينه بواشجة الطفولة والملاعبة الصبيانية، وهي على كل حال واشجة غير وشائج المنافع والطعام والشراب

ويشبه هذا في الدلالة على إدراك الخلائق العجماء للصلات النفسية أن (بيجو) لا يطيق (الطاهي) احمد حمزة ولا يرتاح إلى رؤيته ولا يسمع النداء على أسمه حتى يحسبه تهديداً له بالعقوبة والإقصاء، وهو مع هذا يألف فراش المنزل (محمدا) ويهش له ويستريح إلى مصاحبته في المنزل وفي الطريق. . . فلم كانت هذه التفرقة عنده بين هذا وذاك؟؟ كلاهما يقدم له الطعام، ويزيد صديقه (محمد) بتجريعه الدواء الذي يتعاطاه لعلاج السعال أحياناً وهو يمقته وينفر منه أشد النفور. غير أن الطاهي (أحمد حمزة) يتحاشى (بيجو) خوفاً من النجاسة فيشعر (بيجو) بجفائه ويلقاه بمثله، ويحتمل التجريع والغصص من زميله لأنه يحتفي به ويأنس إليه.

من إدراكه (للمعاني) الفكرية أنك إذا لمسته بالعصا وهو غافل عن رؤيتها فهو لا يبالي ولا يحفل ولا يحسبك غاضباً أو قاصداً لعقابه، ولكنه إذا ألتفت إليك ورأى أن العصا هي عصا التأديب التي تخوفه بها ظهر عليه الرعب، أو ظهر عليه الأسف والتوسل، كأنه يقرن بالعقاب معنى غير معنى الضرب وألمه، وهو استياء سيده وأعداده له عدة العقاب.

والخلاصة أن (بيجو) مخلوق مفيد ومخلوق أنيس، وهو أفيد ما يكون في المكتبة التي يبغضها ويستثقل ظلها، لأنني استفدت على يديه فوائد جليلة وأنا أقرأ بعض الكتب الحديثة في علم النفس وعلم الاجتماع.

<<  <  ج:
ص:  >  >>