للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول علم النفس أن التعاطف في التربية والتعليم أنفع وأنجع من تبادل الأفكار؛ وبيجو يؤكد لي ذلك، لأنني أرى منه أن الكلاب أسرع تعلماً من القردة، وهي أرفع في مرتبة التكوين والإدراك؛ وإنما فاقت الكلاب القردة بسرعة التعلم لأنها عاشرت الإنسان طويلا فاتصلت بينه وبينها العاطفة وإن لم يتقارب بينه وبينها تركيب الأعصاب والدماغ.

ويقول علماء الاجتماع من أنصار (الفاشية) إن الغرائز لا تتبدل، وإن الحرب والعدوان غريزة الإنسان، فلا فائدة لوعظ الواعظين بالسلام، ونصح الناصحين بالإخاء والعدل والمساواة. وبيجو يدحض ذلك أيما ادحاض، لأنه قد تحدر من سلالة الذئاب فما زالت به التربية والمصانعة حتى أصبح حارس الأطفال والحملان، وقد كان قبل ذلك آفة كل طفل من بني الإنسان، وكل صغير أو كبير من أبناء الضأن.

ويعد (بيجو) بحق من أحسن الشراح للعالم الروسي العظيم (بافلوف) صاحب التجارب المشهورة في أخوان بيجو من الكلاب الروسية. . . فأنه جرب أن الكلب يسيل لعابه إذا شاهد الطعام، فقرن بين تحضير الطعام له ودق الجرس على مقربة منه، فإذا بفمه يتحلب كذلك كلما دق الجرس ولو لم تصحبه رؤية الطعام، فبنى على ذلك مذهبه في مقارنات العواطف ومصاحبات الشعور وظواهره الجسدية، وجاء علماء النفس والتربية فاستفادوا من ذلك فوائد شتى في علاج الخوف والجشع والعادات الذميمة التي يصعب علاجها في بعض الأطفال، فجعلوا يقرنون الشيء المخيف بالشيء المحبوب ليعودوا الطفل أن يسكن إليه ولا يخشاه، ويقرنون الشيء المرذول الذي يحبه الطفل بالشيء المزعج الذي يصده عنه وينفره من إتيانه، ليقلع عن ذميم الخلال بداهة وعفواً بغير أمر ولا إلحاح.

بيجو خير مفسر لهذا المذهب النافع الذي كان الفضل الأول فيه لواحد من أبناء جنسه، فقد عهدته في منزله الأول وليس أبغض إليه من السلسة والطوق، لأنهم كانوا يقيدونه بهما في حديقة الدار كلما أضجرهم بعبثه وفضوله، فلما جاء عندي وليس للمنزل حديقة واسعة أطلقه فيها أصبحت السلسة والطوق من أحب الأشياء إليه وادعاهما إلى طربه وابتهاجه، لأنه تعود كلما ربط بالسلسة والطوق أن يخرج مع الخادم لغشيان الطريق وقضاء ساعته المنذورة للمرح والرياضة في الخلاء!

ولبيجو فنون أخرى يشارك في تفسيرها وتفهيمها، وفضائل شتى يتبرع بهداياها ومزاياها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>