وكما عرض ملتن طائفة من آرائه الفلسفية في كتيبه السابق، نراه يعرض هنا كثيرا من تلك الآراء، وبعضها تكرار لما سلف والبعض جديد، ومن إهمال رأيه في المرأة، وفي فكرة الزواج الأولى كما أرادها الله، وفي مبلغ قدرة القانون على منع الإثم، وفي نصوص الكتاب المقدس كمرجع يتقيد الباحث به.
أما عن المرأة فقد كان البيوريتانز كما كان أتباع كلفن في أو ربا يرون فيها مخلوقا دون الرجل كل شيء، وأن الرجل هو سبب ما خلق الله من خلق، وما خلقت المرأة إلا معينا له، فهو أنبل منها وأكرم؛ وكانت منزلة المرأة سامية في عهد الفروسية، إذ كان من أشهر ما يتحلى به الفرس احترام المرأة والأخذ بيدها وإفساح مكان الصدارة لها في كل اجتماع، ومخاطبتها بألقاب التبجيل، وإظهار كل ما يشعرها بالعزلة ورفعة الشأن، وكانت تقاس من لباقة الفارس وفروسيته بقدر ما من النجاح في هذا كله؛ ولكن البيوريتانز كرهوا الفروسية، لأنها في رأيهم من صنع البابوية ومن مخلفات الكاثوليكية، وكرهوا كل ما كان منها بسبب، ومن ذلك مكانة المرأة في تقاليدها، ولم يقتصر ما كان بين أصحاب الرؤوس المستديرة وبين الفرسان من خلاف على عداء الأولين للملك، وولاء الآخرين له، وتنابذ الفريقين لما يتصل بالدين من سبب، وإنما كان الخلاف كذلك شديدا بسبب نظرة كل منهم إلى الحياة الاجتماعية، وعلى الأخص مركز المرأة، فقد ظل الفرسان الكاثوليك على ولائهم للمرأة والسمو بمكانتها، بينما عمل البيوريتانز على العودة بها إلى ما قبل عهد الفروسية، والنظر إليها كمخلوقة تخضع للرجل وليس لها إلا أن تعينه فيما يقوم عليه من شؤون الأسرة، وأن توفر له أسباب الراحة، وتكون له متعة، وله دونها الرأي والقوامة. . .
وحار ملتن بين المذهبين، وتنازع عقله ووجدانه، فلئن كان بيوريتاني المذهب يكره الكاثوليكية والقساوسة كرها شديدا، فهو كذلك الشاعر الحر النظرة الواسع الأفق، الذي عشقت روحه الحياة في ربيع العصر الالزابيثي، أو هو أخر الأليزابيثيين كما أحب أن يسميه بعض النقاد، وما يستطيع أن ينظر إلى المرأة تلك النظرة الجافة المعبرة عن التزمت وضيق الأفق!
وهدته حيرته ببعد طول النظر إلى أن يوافق بين منطق عقله ومنزع وجدانه، فجعل للرجل المكان الأول في الأسرة والمجتمع، ووضع المرأة في موضع دون موضعه، ولكنه لم