أحياناً أو أبداً إلى ملكة نفسية تتصرف بالقلم لا كما يشاء الأدب والفن، بل كما يشاء الغرور وكما يريد الهوى
ليت شعري أي رجل من الرجال يتقلد مفاتح النجاة من حق فاضح، وحكم صحيح، ونقد نزيه، ثم لا يفر من خصمه بأي أساليب الحيلة شاء، وبأي ضروب القول أراد، إذا لم يؤت سَعَة في الصدر وقوة في الخُلق ترغمه على قبول الحق مهما يكن مُراً؛ ولاسيما من أوتي قوة الجدل المنطقي والحوار اللانهائي
أين ذلك الخُلق الذي يقول: أخطأ عمر وأصابت امرأة: هناك ناس يخبطون في النقد خبط عشواء، فلا يحملون في نفوسهم غير الضغينة، ولا تعرف ألسنتهم غير البذاء. وكم يتعجرف هؤلاء وكم يجدون لأنفسهم من مكانة، ولأدبهم من شعر وفن وجمال، ولنقدهم الصحة والدقة والذوق؛ فهم يتطاولون ليجثموا فوق القمر، ويجلسوا على النجم، ليكون للناس منهم نصيب وافر وحظ عريض
وهناك من ينقد عن بصيرة وعلم، فهو يفتش عن علل العيب في خصمه، لا لينقده ويرشده إلى الصواب، بل ليحط من قدره وينال من كرامته. فأنت تجد في نقده الصحة والذوق والسمو، ولكنك لا تجد طهر السريرة ونزاهة النقد. على أن هناك أساتذة أدباء وهبهم الله العلم والذوق والخُلق الجميل يكتبون بلغة الناس وروح السماء، لا تكاد تقرأ لهم شيئاً حتى تخال نفسك طائراً ملائكياً يسبح في عالم الجمال، فيه الملائكة والروح تتنزل بإذن الله على من يشاء من عباده
لابد من الأخلاق في هذا الموضوع إذن، وإنها لمن أكبر ضروراته وأعظم مميزاته؛ وأنا أعرف أن النقد شيء والخلق شيء آخر، ولكن شدة الصلة بينهما وقرب الوشيجة دعواني لربط أحدهما بالآخر، وما أرى أن أحداً ينكر عليَّ هذا
وأرى أيضاً أن في النقد الحاقد المشوه هدماً لكيان أمة برمتها وسبباً من أسباب الأحن الفتاكة التي تكبر وتكبر حتى لكأنها دولة فيها الجند والأسطول والمدفع والغاز لا تهدأ إلا لتثور، ولا تخمد إلا لتستقر، وهكذا دواليك
لعل قائلاً يقول: إن النقد اللاذع يبعث على النضج الأدبي السريع إذ تشحذ الأذهان، وتبرى الأقلام، وتلتهب الغيرة، ولن يتاح هذا الإنتاج السريع بهدوء النفس وفتور المشاعر، فنقول