الواقع أن التقاليد إذا كانت تحتوي على خير كثير فإنها تحمل في طوياها من الشر إضعاف ما تحمله من الخير. ولكن من اين جاء ذلك الشر الذي ترمى به التقاليد؟! الواقع أن الضرر الناجم عن التقاليد يرجع إلى طريقة تعليمها. . إلى فرضها على الناس مجردة عن الخبرة الجدية التي توضح السر في قيامها والغرض من وجودها والظروف نشأت فيها، إلى فرضها منطقيا على الأفراد الجدد، في المجتمع، هؤلاء الذين لا يدركون من أمرهم ولا من أمر مجتمعهم شيئاً. كن كريماً. هذا صوت المجتمع يأمره فعليه أن يطيع. هو تقليد جرى عليه العرف والناس. ولكنه في هذا الشهر قليل الدخل مختل الميزانية فهل يخرج على التقاليد؟ كلا. . ليتكرم. . وإذا لم يجد المال فليستدن نفقات الكرم وليتورط إلى أعماق أذنيه في الديون. . . ولن يهمه شي. . لن يهمه إفلاس يهدده ولا إملاق يدمره ما دام قد أرضى صوت التقاليد. . . وهكذا يصبح الإنسان عبدا ذليلا خاضعا لسلطان التقاليد
إن ضرر التقاليد يأتي من التقيد التام بحذافيرها. . . من تقدسيها والتمسك بها والخضوع التام لها. ولكن أي ضرر في ذلك؟ ولم لا نتمسك بها ونخضع لها ما دامت كما ذكرنا الخلاصة النهائية لمجهود الأجداد؟ ولا بد من وجود سبب رئيسي يؤدي إلى هذا الخضوع ولك الاستمساك. إن هذا صحيح ولكن التقاليد تحتوي إلى جانب ذلك الخير على شر كثير، ولكن كيف جاءها ذلك الشر؟ إن تفسير ذلك من البساطة بمكان لقد جبل الإنسان على المباهاة بعلمه ومداراة جهله ونظر في الحياة فما استطاع معرفة أسبابه من غوامض شؤونها ومظاهرها، بادرة إلى ذكره، وما لم يستطع عليه أن يكشف عمله جهله، وتظاهر كعادته بالعلم والمعرفة وأخذ يخترع له من الأسباب والعلل ما يوهم بأنه بكل شيء عليم. كان المرض ظاهرة غامضة بالنسبة للإنسان الأول. ولا تزال ظاهرة المرض غامضة لدى الكثير من المجتمعات البدائية. هم يجهلون أسبابه كما كان الإنسان الأول. ليعللوه إذن بمختلف العلل والأسباب بدلاً من الاعتراف الصريح بالجهل التام. هو لعنة من الله ونقمة
فإذا كان المريض صالحاً طيباً لا يستحق اللعنة كان المرض في هذه الحالة امتحاناً واختباراً. وهكذا تسير التقاليد على هذا المنوال. وفي هذا يكمن الخطر. ذلك أن التقاليد - بتفسيرها الخاطئ لكل ما هو مجهول غامض - تقفل باب التفكير أمام المفكرين، بل تحول بينهم وبين العمل لمعرفة العلل الحقيقية والأسباب المجهولة للظواهر الغامضة. أن حقيقة