على أن في الادب السنى مناحى للذة لا تجد بعضها في الأدب الدنى على ثرثرته وإغرائه. فان فيه غذاء لذوقك وذهنك ووجدانك وشعورك؛ أما غذاء الآخر على غثاثته فيغنيك عنه إن شئت نظرة أثيمة أو حكاية مخزية. وسنكشف رويداً عن هذه المناحي الممرعة الممعتة، فتساعد المربين على تنمية الذوق، وتعين المعلمين على إحياء المطالعة
وانصراف الشباب عن المطالعة الجدية داء أعيا على العلاج وأشفى على الخطر. وهو وحده علة ما نشكوه من بطء الثقافة وضعف الصحافة وقلة الانتاج وشيوع الجهالة. وما قتل الصبرَ على قراءة الكتاب المفيد والصحيفة الرشيدة إلا هذا الهُراء الذي نفقَت سوقه في المجتمع لِبَرَم الرجال من الأزمة، وسأم الشباب من العطلة، وسوء ظن الناس بالجد في علاج هذى الحال
إن من مباديء الرسالة أن تكون صورة لمنازع الأدباء وسجلاً لألوان الأدب في هذا العصر، فهي لذلك تعرض على قرائها الحين بعد الحين آراء مختلفة وأقلاماً جديدة؛ واختلاف الآراء لا يدل على غير مجرد العرض، وتعاقب الأقلام ل يعني أن بعضها خير من بعض. وقد ظهرت في العالم المنصرم بعض هذه الأقلم البارعة، فكانت براءة من الله للرسالة أنها تقوم بما تعد وتُوفي بما تُدم. وستظهر في هذا العالم أمثال هذه الأقلام من ألف بينها الفن السَّرِيُّ، وجمع بين اهلها الدرب القاصد. كذلك فتحنا بابين جديين ابتداء من هذا العدد، وهما:(من روائع الشرق والغرب) وسننشر فيه أروع ما نقرأه من الآداب الاجنبية منقولاً الى العربية العالية، وأبدع ما نختاره من الآداب العربية مأخوذاً من العصور المختلفة. وفي هذا الباب لقاح مثمر لأدبنا، وإحياء لمآثر أدبائنا، وصقل لملكات النشء بالماذج الجميلة. ثم (من هنا ومن هناك) وسنلخص فيه ما نقع عليه من طريف المسائل وجديد الآراء في الصحف أو في الكتب. ذلك إلى ما اعتزمناه من توسيع باب القصص، وتوجيه النظر في بحث المؤلفات الحديثة القيمة إلى التحليل والنقد العادل
بقي أن نؤدي فريضة الشكر لأولئك القراء المخلصين الذين عطفوا على هذا الجهد وساهموا فيه بالتشجيع والتنويه والنصية، وللأصدقاء من الأدباء الذين ما برحوا يلبون دعوة الوطن الأكبر فشاركوا في تبليغ الرسالة، وأعانوا على تأدية الأمانة، وأضافوا خيرهم الغمر إلى تراث آبائنا الخالد