والمسكنة وباءت بغضب على غضب، وحيل بينها وبين ما يقوم حياتها وبذلك هزل أدبها وذبل كيانها وغاض معينها وضوح زرعها، ومع ذلك لم تشحذ من البقية الباقية أدبا استفزازياً أو سلاحاً انتقامياً، بل تجملت بالصبر الجميل، وتذرعت بأن البلوى حيناً وأن لديجور ليها انبلاجاً.
وإذا صح أن الشر يستشري ويتكاثر ويتضاعف وتتفرع منه فروع فان هذا الأدب قد استشرى وتكاثر فأورث الأدب العربي والأدباء نوعاً من الثبور كانوا عنه جميعاً في مأمن وغنى، فلم يعد الرجل يكتفي بواحدة من النساء ولم يعد يفهم من المرأة إلا أنها سائمة. وهذه أمثلة توضح ما جاءت به الحلقات من الأدب المفقودة في أدب المرأة من وبال على المرأة:
وضع أبو الحسن بن عبدون البغدادي التطبب رسالة ضافية الذيل يضيف فيها النساء أصنافا، صنفاً يصلح للخدمة وصنفاً لاحتمال الأذى وصفاً يموت عند الولادة وصفاً يقرع بالعصا قرءاً، والى غير ذلك مما اعتبر به المرأة حديقة حيوان يجب أن تدرس أوصافها على هذا السبيل المستغرب، وانبرى ابن عبدون هذا في كتابه رشيق العبارة شجاعاً كأنه فصل الخطاب في هذا الشتم المقذع حتى إذا انتهى حمد الله وأثنى عليه إذ وفقه إلى ذكر بعض خصائص النساء.
ومثل آخر، فقد خرج دعيل ومعه إعرابي ونبطي إلى موضع يقال له بطباثاً من أمصار متنزهين فأكلوا وشربوا
فقال دعبل: نلنا لذيذ العيش في بطياثا
فقال الأعرابي: لما حثثنا قحاً ثلاثاً
فقال النبطي: ومرآتي طالقة ثلاثا
وهكذا بلغ من استهتاره أن أضاع امرأته لأجل قافية!
هذه نماذج من أحوال المجتمع لما تفشى فيه أدب ليس للمرأة فيه نصيب، وهذه صور من الأدب المخطر الذي لم تأخذ المرأة بأسبابه فأضحى حلقات مفقودة في أدبها، وهو في حد ذاته نقص يفوق كل تمام، وهو البرهان الأكبر على أن للمرأة أدبا غير أدب الرجل وعلى ان أدبها للعقل.