طاغور من ضرورة تمسك الشعب بتعاليم الدين وسعيه في تحقيق ذاته حتى يتجلى الله في القلوب، لا يمكن أن يشبع جائعاً، وأن الله لن يتجلى لشعب يتضور جوعاً إلا في صورة العمل والطعام الذي يتقاضاه أجراً عن هذا العمل، فإن أناشيد طاغور الشاعرية الدينية لا يمكنها أن تسكن آلام الجائعين أو تغنيهم عن عمل يستطيعون به أن يجدوا ما يأكلون.
إن المغزل هو الذي ينقذ الهند من قسوة الفقر وآلام الجوع ويمهد لاستقلال حياة الهند الاقتصادية، ويغنى الهنود عن خدمات الغرب المادي الجشع، فعلى طاغور إن يغزل مثله في هذا مثل أي هندي، ولا يعارض، لأن الغزل والنسيج فريضة دينية يشرعها الواجب الوطني على الهنود.
ورد غاندي ثانياً على نعت طاغور الهنود بضيق الأفق وضعف المدارك لتحيزهم السقيم للثقافات الأسيوية بأنه لا يمانع في معرفة الشعب الهندي لأية ثقافة كانت، ويود لو تترك دراسة جميع الثقافات حرة في الهند سواء أكانت أسيوية ام غربية من غير أن تحاول ثقافة من الثقافات أن تفرض سيادتها على الثقافات المحلية، وتدعى الرقي والرفعة، وتقضي على كل ثقافة تنافيها، وتزعم أنها تحاول أن توجد ثقافة موحدة، وتتحكم في الحياة الثقافية في البلاد. فالمستعمر الإنجليزي يلزم الهنود تعلم برامج ثقافية جميع موادها العلوم الغربية وتغفل الثقافات الأسيوية وهي أحق بالأولية من دراسة أي ثقافة غربية، لأنها تلائم المزاج الهندي، وتعرف الهنود مواضع القوة في روحهم، وتساعدهم على تأسيس ثقافة جديدة حية تعبر بصدق عن التفكير الهندي. فما أمر غاندي بمقاطعة الثقافة الغربية إلا ليعطي فرصة للثقافات الاسيوية لأن تثبت وجودها في الحياة التعليمية في الهند ويحمي اللغات القومية والتراث الوطني من الضياع والنسيان.
لم اقصد من عرض مناقشات طاغور وغاندي حول تآزر الغرب والشرق أو عدمه أن أقف بينهما حكما أفضل عالمية طاغور على وطنية غاندي، أو أوازن بين واقعية غاندي ومثالية طاغور. وإنما قصدت أن يستفيد العالم العربي، وهو في ظروفه الحاضرة الملبدة بغيوم الشك وسحب الأرتياب، من غدر الغرب وسوء نيته، وأن أرجع للأذهان مجادلة بين شرقيين عرقيين في الروحية أحسا بما نشعر به من أنفعالات نحو الغرب، أحسب أنها تفيدنا في وضع خططنا العامة الدولية. فطاغور المفكر الإنساني قد بين للشرق ما يجب أن