يصبغه من روحية على ما يأخذه من الغرب من علوم وفنون وجد ونشاط، وما يجب أن ينبذه من مادية وأنانية وحب للسيطرة وإمعان في الإباحية واستهتار بالقيم الروحية. فلو سرنا على هديه لأخذنا من الغرب زبده، وتركنا أوساخه وأقذاره، ونهجنا السبل القديمة في تكوين حضارة جديدة طاهرة تؤسس على روحية الشرق ونبوغ الغرب في العلوم والفنون ومهارته في العمل.
أما غاندي الزعيم الوطني، فقد علم الشرق كيف يحارب أنانية الغرب وغروره بغير عنف أو إيذاء، ويتخلص من ضلالاته من غير حقد أو بغض، ويستعين بأبعد الأسلحة عن العنت وإثارة الحقد، ويتخذ من أقرب القوى إلى الحب والتسامح ذريعة فعالة لنيل المآرب القومية. فلو سرنا على هدى غاندي في مقاومته السلبية السليمة، وقاطعنا الدول الغربية، وحاولنا أن نلم شملنا، ونقوي من تعضدنا لأرغمنا الغرب على طلب التعاون معنا، ولتنازل عن غروره وكبريائه، وسلم بضرورة رد جميع حقوقنا التي سلبها منا عنوة وغصباً.
فكل من طاغور وغاندي قام بدور هام في حياة الإنسانية؛ فقد خدم طاغور الهند والشرق بل والعالم أجمع بسعيه في ضم أشتات الدول المتخاصمة، وتأسيس وحدة عالمية لها ثقافة واحدة لا حياة واحدة، كما خدم غاندي الهند والشرق، وعلمهما كيف يتسلحان بالطرق الروحية في مقاومة مادية الغرب، وجعله يشعر عملياً بأن تفيده شيئاً، بل تؤذيه وتضر بمصالحه، وأجبره على احترام الشعوب واحترام حقها في المساواة بالشعوب الغربية. وهذه السياسة الغاندية تجمع بين تقوية الهند وردع الغرب، وتمهد في نفس الوقت لإقامة وحدة عالمية بطرق عملية. فغاندي لا يختلف عن طاغور في هذه الناحية وإن بدا لنا وطنياً. وذلك لأنه آمن بأن إحياء وطنه أمر اساسي لاتحاد العالم، لأن الوحدة لن توجد لها قائمة ما دام هناك دولة تستبعد دولة أخرى.
يجب أن تتحرر شعوب العالم جميعاً اولاً، ثم نعمل بعدئذ على توحيد العالم.
عبد العزيز محمد الزكي
مدرس الآداب بمدرسة صلاح الدين الأميرية بكفر الزيات