للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما أتى الشيطان أحداً، ولا وسوس في قلب، ولا سول لنفس، ولا أغوى من يغويه إلا بأسلوب شعري ملتبس دقيق، يجعل المرء يعتقد أن أطراح العقل ساعة هو عقل الساعة، ويفسد برهانه مهما كان قوياً إذ يرتد به من النفس إلى أخيلة لا تقبل البراهين، ويقطع حجته مهما كانت دامغة، إذ يعترضها بنزعة من النزعات توجهها كيف دار بها الدم لا كيف دار بها المنطق.

فكرة من شريعة الطبيعة ظاهرها لبعض الأمر من الشمس والهواء والبحر وما لا أدري، وباطنها لبعض الأمر من فن الشيطان وبلاغته وشعره وما لا أدري، وما كانت الشرائع الآلهية والوضعية إلا لإقرار العقل في شريعة الطبيعة كي تكون إنسانية لإنسانها كما هي حيوانية لحيوانها، وليجد الإنسان ما يحفظ به نفسه من نفسه التي هي دائماً فوضى، ولا غاية لها لولا ذلك العقل إلا أن تكون دائماً فوضى. .

وبالشرائع والآداب استطاع الإنسان أن يضع لكلمة الطبيعة النافذة عليه، وأن يرى في هذه الطبيعة أثر جوابه؛ فكلمتها هي: أيها الإنسان أنت خاضع لي بالحيواني فيك؛ وكلمته هو: أيتها الطبيعة وأنت لي خاضعة بالإلهي فيّ.

والآن سأقرأ لك القصيدة الفنية التي نظمها الشيطان على رمل الشاطئ في إسكندرية؛ وقد نقلتها أترجمها فصلاً بعد فصل عن تلك الأجسام عارية وكاسية، وعن معانيها مكشوفة ومغطاة، وعن طباعها بريئة ومتهمة، حتى اتسقت الترجمة على ما ترى

قال الشيطان:

ألا إن البهيمية والعقلية في هذا الإنسان؛ مجموعهما شيطانية. . .

ألا وإنه ما من شيء جميل أو عظيم إلا وفيه معنى السخرية به.

هنا تتعرى المرأة من ثوبها، فتتعرى من فضيلتها.

هنا يخلع الرجل ثوبه، ثم يعود إليهفيلبس فيه الأدب الذي خلعه.

رؤية الرجل لحم المرأة المحرمة نظر بالعين والعاطفة.

يرمي ببصره الجائع كما ينظر الصقر إلى لحم الصيد.

ونظر المرأة لحم الرجل رؤية فكر فقط. . .

تحول بصرها أو تخفضه، وهي من قلبها تنظر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>