للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله وتفنى فيه؛ ولكن الكابالا اشتهرت بالأخص برموزها السرية وتعاويذها السحرية، وقد كانت هذه مدى العصور تراث الخفاء في يد الدعاة والمشعوذين، يستغلون به سذاجة الكافة، ويتخذونه سلاحاً قوياً لبث دعواتهم وتحقيق غايتهم في مجتمعات مؤمنة يروعها السحر والخفاء على كر العصور

وقد بلغت هذه الدعوات والتعاليم السرية اليهودية ذروة القوة والذيوع في القرن السابع عشر؛ وكانت بولونيا، وبالأخص مقاطعة بودوليا التي كانت يومئذ منزلا لطوائف كثيرة من اليهود، مركزاً للدعوة الكابالية؛ وكانت هذه الدعوة تتمخض من آن لآخر عن فورات دينية يتردد صداها في المجتمع اليهودي كله. وفي أواسط القرن السابع عشر ظهر في تركيا شابتاي زيبى، وهو داعية يهودي زعم أنه المسيح المنتظر، فأثار ظهوره ومزاعمه فتنة كبيرة في المجتمع اليهودي؛ ولم يكن (المسيح المنتظر) سوى داعية ماهر من دعاة (الكابالا)؛ وفي أواسط القرن الثامن عشر ظهر في بولونيا عدة متعاقبة من الدعاة الكاباليين، أشهرهم إسرائيل البدولي الذي أسس طائفة (الحسديم)؛ وكان إسرائيل بارعاً في ضروب الشعوذة واستخدام الرموز والتعاويذ السحرية، فلقيت دعوته صدى كبيراً، والتف حوله كثير من اليهود الذين خرجوا على تعاليم (التلمود) وتقاليده

وفي ذلك الحين أيضاً ظهر داعية من أعظم دعاة الكابلا، وأشدهم خفاء وغموضاً، فأثارت شخصيته الغامضة، وحياته العجيبة، ومزاعمه الخارقة، وبذخه الطائل أيما روعة ودهشة في مجتمعات أوربا الوسطى. واسم هذا الداعية الغريب يعقوب فرنك، وكل ما نعرف عن نشأته وحياته الأولى أنه ولد في بولونيا، وكان في حداثته يشتغل بتقطير الخمور؛ ثم تجول حيناً في بلاد القرم وفي تركيا، ودرس تعاليم (الكابالا) ورموزها دراسة عميقة، واتصل بأنصار شابتاي زيبى ودعاهم إلى لوائه، ثم عاد إلى بودوليا منزل الحركة الكابالية، وهنالك أسس في سنة ١٧٥٥ طائفة جديدة تعرف بجماعة (الزوهاريين) نسبة إلى (زوهار) أو كتاب الضوء، وهو من الكتب العبرية الكابالية؛ ولم يلبث أن ذاعت دعوته وقويت عصبته؛ ونهض لمقاومته جماعة (التلموديين) الرجعيين، ونشبت بينهما خصومة قوية، فالتجأ فرنك إلى حماية أسقف كامنيك وأفضى إليه بميوله النصرانية، وأحرق التلمود علناً؛ وعاونه الأسقف على مقاومة خصومه حيناً ولكنه لم يلبث أن توفى، واشتد الأحبار اليهود في

<<  <  ج:
ص:  >  >>