مهاجمة فرنك ومطاردته، وأوقعوا به لدى حكومة وارسو، ولدى مبعوث البابا، وصوروه للسلطات الدينية والمدنية يهودياً مرتداً، ونصرانياً مماذقاً، وأن دعايته خطر على العقائد المرعية، فهبت السلطات لمقاومته، وبدأت يد المطاردة تعمل لسحق (الزوهاريين) وتشريدهم
والواقع أن مذهب فرنك لم يكن يهودية خالصة ولا نصرانية خالصة، بل كان مزيجاً غريباً من اليهودية والنصرانية والوثنية؛ ولم تكن بولونيا مهداً خصباً لمثل هذه الدعوات الجريئة؛ فلم يمض بعيد حتى قبض على فرنك بتهمة الارتداد الكاذب ونشر الإلحاد والكفر، وزج إلى قلعة شنتشوف، وبادر كثير من أنصاره بالفرار إلى تركيا، واعتنق الكثلكة كثير ممن بقى منهم في بولونيا، ولكنهم بقوا يهودياً في سرائرهم، وقبض على عدد منهم، وحكم على البعض بالأشغال الشاقة، ولكن كثيرين منهم استطاعوا أن يتقوا بستار الكثلكة ويل المطاردة؛ ولقي الذين هاجروا إلى تركيا عنتاً واضطهاداً من السلطات الدينية في مولدافيا، وانقض عليهم العامة ونهبوهم، وتفرقوا في كافة الأنحاء. أما يعقوب فرنك فلبث يرسف في سجنه حتى سقطت قلعة شنتشوف في أيدي الروس في سنة ١٧٧٢، وعندئذ أطلق سراحه؛ فتجول حيناً في بولونيا وبوهيما ومورافيا متشحاً في الظاهر بثوب الكثلكة، وهو يجمع الأموال والرسوم الفادحة من أنصاره وأبناء جلدته، ويثير الروع والإجلال بين الكافة بمظاهر بذخه؛ وكان مذهب الزوهاريين قد ذاع في المجتمعات اليهودية في تلك الأنحاء، وكانت تعاليمهم أكثر جنوحاً إلى النصرانية، فهم ينكرون التلمود، ويسلمون بالتثليث والحلول، ولكن ينكرون أن المسيح وحده أهل للحلول؛ وكان هذا المزيج بين المذاهب والتعاليم المختلفة ملاذ الدعاة في كل عصر، فهم يزعمون دائماً أنهم ينشئون مذهباً أو ديناً جديداً، ولكنهم يعمدون دائماً إلى الاقتباس من المذاهب والأديان القائمة، ويسبغون على مزيجهم نوعاً من الجدل الغامض للتمويه على العامة والبسطاء
على أن يعقوب فرنك غدا مذ قوضت دعائم طائفته رجلا آخر، فهو لم يبق بعد داعية يتزعم مذهباً جديداً؛ ولم يبق بعد اعتناق الكثلكة يهودياً ينفث دعاياته إلى أبناء دينه؛ بل غدا في الواقع شخصية جديدة يحوطها خفاء من نوع جديد؛ ذلك أنه ظهر فجأة في المجتمع الرفيع، يعيش في بذخ شرقي طائل، ويحيط نفسه بحاشية كبيرة فخمة، ويدهش المجتمعات