الرفيعة في ألمانيا والنمسا بروعة مظاهره وفيض بذخه؛ ومازالت حياة فرنك في تلك الفترة لغزاً، وما زال مصدر تراثه المدهش سراً على التاريخ؛ ومن ذلك الحين يعيش فرنك في فينا وفي برون على مقربة منها، تحيط به أروع مظاهر الفخامة والبذخ، كما يحيط به أعمق الأسرار وأغرب المزاعم؛ ولبث فرنك مدى حين يدهش البلاط النمسوي وكل مجتمع فينا الرفيع بشخصيته الخفية، وحياته الفخمة الباذخة؛ وكانت له ابنة حسناء تدعى (حوه)، استطاعت أن تتقرب من الإمبراطورة ماريا تيريزيا، وأن تنال لديها حظوة ونفوذاً، وأن تمهد لأبيها كثيراً من السبل؛ ولكن الريب الذي يلاحقه أينما حل كان يحيط دائماً بشخصيته ومحيطه ووسائله ومزاعمه؛ ولم يلبث أن اضطر إلى مغادرة النمسا ليتقي شر الاتهام والمطاردة، وعندئذ تحول إلى مدينة أوفنباخ بألمانيا على مقربة من فرانكوت، واستقر بها مع حاشيته الكبيرة، وعاش هنالك بنفس البذخ الطائل الذي كان مثار الروع والدهشة والإعجاب أينما حل
وعاش فرنك في أوفنباخ أعواماً طويلة، وتسمى بالبارون فون أوفنباخ، وهو لقب يغلب عليه في كتب التاريخ والقصص؛ وأثار بروعة بذخه ومظاهر طلعة المجتمع الألماني ودهشته كما أثار دهشة المجتمع النمسوي من قبل. ويقدم إلينا المؤرخ الألماني بيتر بير وصفاً روائياً شائقاً لحياة فرنك العجيبة وبذخه المدهش فيقول لنا: (كانت له حاشية من بضع مئين من الفتيان والفتيات اليهود ذوي الحسن الرائع؛ وكان يذاع أن صناديق المال تنهمر عليه في كل يوم ولا سيما من بولونيا، وكان يخرج كل يوم في موكب حافل ليقيم شعائره في العراء، في عربة تجرها جياد مطهمة، ومن حوله عشرة أو اثنا عشر فارساً بروسيا في حلل حمراء خضراء موشاة بالذهب، وقد شهروا الرماح ووضعوا في قلنسواتهم رموزأً من النسور أو الوعول أو أهلة وشموساً وأقماراً؛ وكان الماء يصب دائماً حيثما كان يقيم شعائره؛ وكان يؤم الكنيسة في مثل هذا البذخ، وهنالك يؤدي القداس بطريقة خاصة، وفي خشوع خاص؛ وكان أنصاره يعتقدون فيه الخلود، بيد أنه توفى في سنة ١٧٩١؛ ودفن في بذخ يعدل بذخ حياته، وسار وراء نعشه موكب من ثمانمائة؛ بيد أن سر ثرائه وبذخه دفن معه في قبره؛ وانحدرت أسرته بعد وفاته إلى حالة من البؤس تدنو إلى التسول؛ وعبثاً حاولت تستدر عطف أنصاره أو صدقتهم؛ ولم يمض سوى قليل حتى غمرها النسيان