للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعدم، واضطرت لكي تعيش أن تزاول أعمال الحياة الفانية)

هذه في قصة يعقوب فرنك وقصة حياته العجيبة. قصة مغامر ومشعوذ بارع استطاع أن يستغل ظروف عصره، وما كان يسود مجتمع عصره من إيمان وتعلق بالخوارق والأساطير. بيد أنه من الخطأ أن نقف عند هذه الصورة الظاهرة من حياته. ذلك أن حياة فرنك كانت سراً من الأسرار التي لا تنفذ إليها طلعة الكافة، وكان وراء هذه الحياة الفخمة الباذخة ناحية أخرى يغمرها الخفاء المطبق. كل كان فرنك يعمل لنفسه وبوسائله الخاصة أم كان يعمل بوحي قوة خفية أخرى تمده بأسباب البذخ الطائل وتدفعه إلى المجتمع مزودا بتلك المظاهر الرائعة لكي يعمل الرائعة لكي يعمل على بث داعية معينة وتحقيق أغراض معينة؟ وتحقيق أغراض معينة؟ لقد كان العصر الذي ظهر فيه فرنك عصر الخفاء حقاً، وكانت موجة من الخفاء والتعلق بالخوارق والمجهول تغمر مجتمعات أوربا الرفيعة وتملك عليها تفكيرها وأهواءها؛ وفي نفس الوقت الذي ظهر فيه فرنك مسلحاً بأسراره ومظاهره العجيبة، ظهر يوسف بلسامو أو الكونت كاجيلو سترو مسلحاً بمثل هذا الخفاء وأثار دهشة المجتمعات الرفيعة ولا سيما في فرنسا بمظاهره وأعماله العجيبة ومزاعمه الخارقة؛ وظهر في نفس الوقت مغامر آخر من نفس الطراز وإن كان أقل روعة وتأثيراً، وهو الكونت سان جرمان واقتفى أثر زميله في التذرع بالخوارق. ومما يلفت النظر أن الثلاثة كانوا يهوداً؛ وقد كانت اليهودية يومئذ مبعث الحركات والدعوات السرية، وكانت الكابالا اليهودية كما أسلفنا مستقى خصباً للدعاة السريين فيما يعرضون من ضروب الرموز والأساليب السحرية، وكانت حركة البناء الحر (الماسونية) يومئذ تضطرم في جميع أوربا؛ وقد أثبت البحث الحديث أن لحركة البناء الحر أغراضاً خفية غير الأغراض الإنسانية التي تتظاهر بها، وأنها تعمل لغاية ثورية شاملة هي سحق الأديان والمعتقدات القائمة كلها، وإدماج الإنسانية كلها في نوع من التفكير الحر المطلق والمساواة الاجتماعية المطلقة. ويرى بعض الباحثين أن الثورة الفرنسية كانت مؤامرة (ماسونية) ونفثة من نفثات البناء الحر، وأن محافل البناء الحر هي التي نظمت خططها وبرامجها الأولى، بل يرى بعض الباحثين أن الثورة البلشفية الحديثة ليست بعيدة عن تأثير البناء الحر، وأن ما ترمي إليه من إحداث ثورة عالمية يطابق نفسه الغاية التي يعمل لها البناء الحر؛ وقد كان أولئك الدعاة المغامرون

<<  <  ج:
ص:  >  >>