الفكر، فإذا فرضنا أن فترت الحماسة، وضعفت نزعة محاربة الظلم، هذان العاملان اللذان يحفزان الشباب بطبيعة الحال على الكفاح، ماذا يمنع حينئذ أن يتسرب الإعياء والملل إلى نفوس أولئك الرجال، ولم يمض عليهم في الجهاد غير بضع سنين لقوا فيها من أسباب الحبوط والقنوط ما لا مرد له في مثل هذا السبيل؟ لماذا لا يفضلون أي لون من ألوان الدعة على حياة مضطربة يهيجها النزاع الدائم وتحيق بها الأخطار من كل جانب، وليس ببعيد أن تنتهي يوما ما في قرارة السجون أو على حبال المشانق أو غياهب النفي؟ تلك هي القصة الشائعة في هذا العصر عن أغلب الإيطاليين الذين تشعبت أفئدتهم بالأفكار الفرنسية العتيقة، وإنها لقصة مفجعة حقا. ولكن كيف يمكن تغيرها إلا بتغيير المبدأ الذي يترسمونه ويسترشدون به؟
كيف وعلى أي اعتبار نحملهم على أن يستلهموا من الخطر والفشل حافزا يضاعف قوتهم، وعلى ألا يقفوا بالجهاد بعد عدة سنين بل يثابروا عليه حتى الممات؟
من ذا يقول لإنسان: ثابر على الكفاح من أجل حقوقك، إذا كان هذا الكفاح نفسه يكلفه أضعاف ما يكلفه التنازل عنها؟
وحتى لو كان هناك مجتمع قائم على أساس يفوق أساسنا نصفة وعدلا فمن ذا يستطيع في هذا المجتمع أن يقنع فردا آمن بنظرية الحقوق فقط بأن عليه أن يسعى لأجل الغرض العام، ويبذل جهده في نصرة القضية الاجتماعية؟ لنفرض أنه ثار وأنه أحس في نفسه القوة فيقول لك: مالي وللعهد الاجتماعي؟ لابد لي أن أنكث به لأن ميولي ومداركي تتجه بي ناحية أخرى. ولي حق مقدس مطلق في أن أفسح لها طريق الظهور والنشوء، وأفضل أن أكون في حرب مع كل إنسان، فأي واجب حينئذ تردون به عليه بينما هو يستمسك بنظريته في الحقوق؟ وأي حق لكم لأنكم أغلبية في أن ترغموه على طاعة قوانين لا تتفق ورغباته وأمانيه الشخصية؟. . . وأي حق لكم في معاقبته إذا ثار عليها؟
وإذا كانت الحقوق تتقسط كل فرد على السواء حتى لم يعد هناك مجال لأن يظهر فرد مستقل بنفسه عن باقي الأفراد الذين يعيشون معه في هيئة واحدة. وإذا كان المجتمع لا يزيد عن الفرد حقوقا، وإن زاد عنه قوة فكيف إذن ترومون أن تقنعوا الفرد بأن يدع إرادته تفنى في إرادة أولئك الذين هم إخوانه سواء في الوطن أو في الرابطة الكبرى رابطة