ولو وضعت أنا (قائمة) الأخلاق مرتبة حسب أهميتها للمسلمين لوضعت في أعلاها (العزة)، ولاخترت من الأخلاق ما يبعث القوة والاعتداد بالنفس والرجولة والأنفة والحمية، ولأقللت جداً من الكلام في التواضع والزهد والخوف ونحو ذلك، لأن قائمة الأخلاق يجب أن تخضع في ترتيبها وتقويمها لعاملين: روح العصر، وموقف الأمة إزاء بقية الشعوب؛ بل أحياناً تنقلب الفضيلة إلى رذيلة، ويكون الحث على هذا النوع من الفضائل داعية إلى الإجرام. فإذا أفرطت أمة في التواضع كانت الدعوة إليه إجراماً، وإذا أفرطت أمة في الزهد كانت دعوة الأخلاقيين إليه دعوة إلى الموت والفناء.
كنت زمناً قاضياً في (الواحات الخارجة) وهي بلاد في منتهى الفقر والبؤس، أغناهم من ملك نُخَيلات وسُوَيعات في عين من عيون الماء، بؤس شامل، وجهل شائع، وضنك يستذرف الدمع، ويستوجب الرحمة. فذهبت يوماً إلى صلاة الجمعة في مسجدها البائس الفقير أيضاً. . فما كان أشد عجبي من خطيب يخطب من ديوان مطبوع يستحث الناس على ألا يقضوا صيفهم في أوروبا، وأنا على يقين أن الخطيب والمسلمين لم يعرفوا أوروبا، ولم يفهموا لها إلا معنى غامضاً، ولم تحدث أحداً منهم نفسه بالسفر إلى مصر فضلاً عن أوروبا، ولكنها قلة ذوق الخطيب وسماجته، وجهله التام بالواقع.
وأؤكد أن أكثر المتكلمين في الأخلاق من المسلمين في مثل حال هذا الخطيب، لا يعرفون زمانهم، ولا يعرفون أمتهم، ولا يعرفون موقف أمتهم من زمانهم. يرونهم أذلة فيدعون إلى الذلة، ويرونهم متواضعين فيلحون في طلب التواضع، ويرونهم زهاداً بالطبيعة لا يجدون الكفاف من العيش فيمعنون في طلب الزهد. فإن هم تلطفوا قليلاً طلبوا منهم الرضا بالبؤس وألصقوه بالقدر، وجعلوا ذلك كله ضرباً من التقوى والإيمان، وهم بذلك يداوون جوعاً بجوع، وجرحاً بجرح، وسماً بسم؛ وكان يجب أن يداووا جوعاً بشبع، وجرحاً بضماد، وسماً بترياق.
تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا ندعو إلى خلق يزيد الأمة ضعفاً، فلا ندعوها إلى الرضا بالقليل وفي إمكانها الكثير، ولا ندعوها إلى الاستسلام للقدر وفي وسعها مكافحة الصعاب ومواجهة الشدائد، ولا ندعوها إلى الذلة وفي استطاعتها أن تعز. والواقع أن أبيات