نفسه وما هو إلا التكلف والتوعر والتقعر كما يرون الآن في الفصاحة، والقليل من الواجبات ينتهي إلى الأقل، والأقل ينتهي إلى العدم، والانحدار سريع يبدأ بالخطوة الواحدة ثم لا تملك بعدها الخطى الكثيرة
لا جرم فسد الذوق وفسد الأدب وفسدت أشياء كثيرة كانت كلها صالحة، وجاءت فنون من الكتابة ما هي إلا طبائع كتابها تعمل فيمن يقرؤها عمل الطباع الحية فيمن يخالطها. ولو كان في قانون الدولة تهمة إفساد الأدب أو إفساد اللغة، لقبض على كثيرين لا يكتبون إلا صناعة لهو ومسلاة فراغ وفساداً وإفساداً. والمصيبة في هؤلاء ما يزعمون لك من أنهم يستنشطون القراء ويلهونهم. ونحن إنما نعمل في هذه النهضة لمعالجة اللهو الذي جعل نصف وجودنا السياسي عدماً؛ ثم لملء الفراغ الذي جعل نصف حياتنا الاجتماعية بطالة. وهذا أيضاً مما جعل عمك أبا عثمان في هذه الصحافة من (صعاليك الصحافة) وتركه في المقابلة بينه وبين بعض الكتاب كأنه في أمس وكأنهم في غد.
ودق الجرس يدعو أبا عثمان إلى رئيس التحرير. . .
فما شككت أنهم سيطردونه فإن الله لم يرزقه لساناً مطبعياً ثرثاراً يكون كالمتصل من دماغه بصندوق حروف. . . ولم يجعله كهؤلاء السياسيين الذي يتم بهم النفاق ويتلون، ولا كهؤلاء الأدباء الذي يتم بهم التضليل ويتشكل.
ورجع شيخنا كالمخنوق أرخي عنه وهو يقول: ويلي على الرجل. ويلي من الكلام الظريف الذي يقال في الوجه ليدفع في الفقا. . . كان ينبغي ألا يملك هذه الصحافة اليومية إلا مجالس الأمة، فذلك هو إصلاح الأمة والصحافة والكتاب جميعاً. أما في هذه الصحف فالكاتب يخبز عيشه على نار تأكل منه قدر ما يأكل من عيشه، ولو أن عمك في خفض ورفاهية وسعة، لكان في استغنائه عنهم حاجتهم اليه، ولكن السيف الذي لا يجد عملاً للبطل، تفضله الإبرة التي تعمل للخياط. وماذا يملك عمك أبو عثمان؟ يملك مالاً ينزل عنه بدول الملوك، ولا بالدنيا كلها، ولا بالشمس والقمر، إذ يملك عقله وبيانه. على أنه مستأجر هنا بعقله وبيانه يعقل ما شاءوا ويكتب ما شاءوا
لك الله أن أصدقك القول في هذه الحرفة اليومية. إن الكاتب حين يخرج من صحيفة إلى صحيفة، تخرج كتابته من دين إلى دين. . .