للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التي تكون الإمبراطورية العربية الشاسعة، حتى أنه ليستطاع لأول وهلة أن يميز عربي الشرق من عربي الغرب. ويقول أبن إياس، وهو يتحدث عن المؤرخ الشهير أبن خلدون: (واستقر لما تولى القضاء وهو بزي المغاربة فعد ذلك من النوادر) ويقول النويري وهو يروي وفاة الملك القاهر بهاء الدين أبي محمد عبد الملك بن الملك المعظم: (وكان يلبس ملابس العرب ويتزيا بزيهم ويركب كمركبهم ويتخلق بأخلاقهم في كثير من أفعاله) وحتى الذين يسكنون المدن القريب بعضها من بعض كانوا يختلفون في أزيائهم، فقد كتب أحد المغاربة - وسماه مارمول - يقول، حينما حرم فيليب الثاني على مغاربة الأندلس أن يلبسوا زيهم الوطني: (إن زي نسائنا ليس مغربياً بل هو زي مدني كما في قشتالة، وإن الشعوب الإسلامية في البلاد الأخرى لتختلف في أغطية الرأس وفي الثياب والأحذية. ومنذا الذي ينكر أن زي مراكشيات أفريقية والتركيات يختلف عما تلبسه نساؤنا في غرناطة؟ وكذلك تختلف أزياء الرجال، فليس زي فاس كزي تلمسان، وليس زي تونس كزي مراكش، وكذلك الأمر في تركيا والممالك الأخرى).

وهناك فوق ذلك اختلاف كبير في زي الطبقات المختلفة التي تتكون منها الجماعة الإسلامية حتى ليستطاع تمييز الرجل الخاصي من العامي والجندي من شكل العمامة على الأخص، وكذلك كانوا يعرفون بها المنصب الذي يشغله من يلقونه.

بيد أنه يجب ألا يؤخذ هذا القول بوجه عام إلا عند أهل المدن، أما البدو فقد احتفظوا تقريباً بالزي القديم، ولاحظوا تعاليم الدين أكثر من الحضريين.

ولقد حدث محمد (ص) أحاديث عديدة ليمنع مظاهر الترف في الثياب من أن تتغلغل في أمته، وقد استخلص فقهاء الإسلام من هذه الأحاديث نظاماً بالمبادئ والقوانين الخاصة بالزي، وسنعرضها هنا وفقاً لما جاءت به كتب الفقه الحنفي والمالكي.

إن وظيفة الملابس، على ما يقول كتاب ملتقى الأبحر، هي ستر العورة والوقاية من الحر والبرد؛ والأفضل أن تكون من القطن أو الكتان غير مغالى فيها ولا شديدة الرثاثة. وليس أخذ الزينة حراماً متى كان لإظهار نعم الله التي تفضل بها علينا. أما حين تصدر عن الكبرياء فانه ممنوع. وكثيراً ما أوصي عظماء العرب والفرس بالتواضع في هيئة اللباس، ويقول النويري، مثلاً، وهو يمدح صلاح الدين:

<<  <  ج:
ص:  >  >>