للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأوس على الخزرج، حتى وقعت الواقعة، فذكر القوم ذلك اليوم، وتنازعوا وتفاخروا، وأنشد كل أقوال شاعرهم، ونادى هؤلاء: يا آل الأوس! ونادى هؤلاء: يا آل الخزرج! ولم ينصرف اللعين إلا بعد أن احمرت الإحداق، واحتدم الغيظ، وثارت الأحقاد، وتطايرت الدماء إلى الرؤوس، وافترقوا وقد تواعدوا على القتال. . .

سمع رسول الله بما أصاب الأنصار، فخرج إليهم فيمن كان معه من المهاجرين وفي وجهه الغضب، ووقف بينهم يرمقهم بنظرات أرجعتهم إلى صوابهم، وأعادت إليهم رشدهم، ثم تطلع إليهم بعينين دامعتين وقال - وقد ملك عليهم ألبابهم، وتمكن من شغاف قلوبهم -: (يا معشر المسلمين! الله الله! اتقوا الله! أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم! بعد أن هداكم الله إلى الإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم). . . ولم ينته صلى الله عليه وسلم من كلامه حتى عرف القوم أنها نزعة شيطانية، ومكيدة يهودية، فتعانقوا وتمتعت ألسنتهم بكلمات الأخوة الحق، والتوبة الصادقة، وانتثرت من محاجرهم دموع الندامة، وانصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عاهدوه على الإخلاص لهذا الدين، والاعتصام بحبل الله المتين. . . وإذا بوحي الله ينزل على الرسول بهذه الآيات:

(يا أيها الذين آمنوا، إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين، وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله، ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)

(دمشق - المزة)

عمر الخطيب

(فتى الفيحاء)

<<  <  ج:
ص:  >  >>