للرسول وشدة البغض له فسحره، بيد أن جبريل أخبره بذلك السحر وبمكانه، ورد الله كيد الخائنين، وعفا رسول الله عن لبيد وقال:(أما أنا فقد عافاني الله، وكرهت أن أثير على الناس شراً)(يعني بقتله).
وأرادوا بعد ذلك أن يمكروا بأصحاب الرسول ويفرِّقوا جمعهم، حتى ينفّضوا عن (محمد) ويعتزلوا دينه، فيبقى وحده في الميدان دون نصير يمنعه ويؤيده، بعد أن كذّبته (قريش)، واشتدت في إيذائه، وأجمعت على قتله، وتفريق دمه بين القبائل، فلبثوا يرتقبون الفرص، ويحيكون الدسائس. . .
خرج (شاس بن قيس)، وهو من أحبار اليهود وزبانيتهم يجوب في أطراف يثرب يوماً وحوله بعض أعوانه، وقد بيَّت في نفسه شراً، بعد أن ضاقت به الحيل، وتقطعت به أسباب المكر، فألفى (الأنصار) مجتمعين، وقد رفرف فوقهم طائر اليمن والخير مستبشرة نفوسهم، متهللة أساريرهم، ترقص قلوبهم طرباً بهذا (الإسلام) الذي جمع بينهم، ووحد صفوفهم، وأزال من بينهم الضغائن والإحن وأبدلهم بها حباً وأخاء، وألف بين قلوبهم برابطة الإيمان، فأصبحوا بنعمته إخواناً. . .
شهد هذا اليهودي الماكر، هذا المجلس الهادئ، فغاظه صلاح ذات بينهم، وقال:(قد اجتمع بنو قيلة والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار). وأزمع على أن يعكر صفوهم، ويوقع بينهم فرجع بذهنه إلى يوم (بُعاث)، وما كان فيه بينهم من هجاء وعداء، فوجد فيه مجالا للاستغلال، وموطناً لإثارة الأحقاد الدفينة، وأيقن أنه يستطيع أن يفيض مجلسهم، ويحرك أنفسهم، حتى تعود الخصومة بينهم أشد مما كانت، فتفل عزائمهم، وتحل روابطهم. . . ويرجعوا أقواماً متلاحين، وقبائل متخاصمين، ويتفرقوا عن (محمد)، ويتخلوا عن تأييد رسالته، وهذا ما تتقطع دونه أعناق يهود، وينفقون في سبيله أعز ما لديهم. . .
التفت هذا الغادر إلى واحد من أعوانه فوسوس إليه: أن يعمد إلى مجلس (الأنصار) فيجلس معهم ثم يذكر يوم (بُعاث) وينشدهم قصائد شعرائهم، ويعمل على المكر بهم، والقضاء على ألفتهم. . .
لم يدر (الأنصار) كيف تسلل إليهم هذا اليهودي الخبيث ولم ينتبهوا لمهمته، ولم يتيقظوا لمكيدته، فوقف بينهم يذكر يوم (بعاث)، وينشدهم ما كانوا يتقاولون به من أشعار، ويؤلَّب