في أمر هذا النبي الجديد وقالوا لهم:(يا معشر يهود! إنكم أهل الكتاب الأول، وأهل العلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، افديننا خير أم دينه؟ قالت اليهود: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه). فخالفوا بذلك شريعة التوحيد، وناقضوا تعاليم التوراة.
بيد أنه لم يمض غير قليل حتى اشتد أزر هذا الدين، وقوى ساعد هذه الدعوة، والتف العرب حولها، واستبسلوا في سبيلها، إذ كانت حمامة السلام بين القبائل المتلاحمة، والأحزاب المتخاصمة طمست من بينهم معالم الشر، وأطفأت نار الحرب، وجعلت من هؤلاء الأعراب الجفاة خير عون وأقوى نصير، وإذا بالأوس والخزرج تتآخيان بعد التلاحي، وتتصافيان بعد التجافي، وتسيران معاً في ركاب هذا الدين الجديد، تحت قيادة الرسول العظيم. . .
ولما هاجر إلى المدينة كانوا (أنصاره) الصادقين، وأصحابه المخلصين، آمنوا به وآزروه، وعاهدوه على أن ينصروه، وأن يمنعوه مما يمنعون من أبناءهم وأنفسهم، واستقبلوا إخوانهم المهاجرين أحسن استقبال، وأنزلوهم خير منزل حتى ليقول عبد الرحمن بن عوف في حديث له:(آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وآخى بيني وبين سعد بن الربيع فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالاً، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتيَّ هويت، نزلتُ لك عنها، فإذا حلًّت تزوجتها. . .).
وهكذا تكوَّن من هؤلاء جيش الإسلام الأول وفرسانه الكماة وأبطاله المغاوير الذين بذلوا في سبيله أموالهم وأرخصوا أرواحهم، حتى أعزه الله، وساد الجزيرة، وعم صداه أرجاء المعمورة. . .
شهد (يهود) هذا التحالف القوي والإخاء المتين، وأوجسوا شراً من هذا الدين، وأجمعوا على الكيد بمحمد، والمكر بأصحابه لأنهم علموا أن هذا الدين - لا محالة - سيعلو، وإن هذا الرسول سيقوى، وإن القوة ستحمي ذمار الحق حتى ينتصر ويسود، ولما أنهم (أهل الكتاب) يعلمون صدق الرسول في دعواه، يئسوا من القضاء على دعوته، وأنفقوا على المكر به وبصحابته، واليهود أبطال الكيد في الخفاء، وأهل الخيانة والمكر، لا تعجزهم الحيل، ولا يتورعون عن الغدر!.
أما من حيث مكرهم برسول الله، فقد حرَّضوا (لبيد بن الأعصم) الذي أشتهر بعداوته