العشرين الأخيرة من حياته تقريباً. فيشتمل على تعاليم دينية وأخلاقية، ومجادلات ضد الكفار، وخلاصات للحوادث السابقة، وقواعد للشؤون الاجتماعية والمسائل الشرعية. وقد أعتقد محمد (ص) أن كل ما جاء به من هذه الأمور كان بوحي من الله، إذ لم يكن مصطبغاً بفكره الخاص. إنه كلام الله نفسه قام بتلقينه الملاك جبريل. وبعد ما قاله الأستاذ دنكن بلاك مكدونلد من اقتراب العالم المجهول من العقل السامي وعن نظرة الشرقيين للنبوة، فإن من الضروري أن أتتبع الأسس النفسية لهذه العقيدة.
إننا قد نحيد عن الصواب إذا اعتبرناها مجرد نظرية (بديهية) متوارثة جيلا بعد جيل منذ ألف وثلاثمائة عام. بل هي على النقيض من ذلك اعتقاد حي طالما تجدد وثبت في عقل المسلم - وخاصة العربي - بدراسته للكتاب المقدس.
لقد عارض المسلمون المتدينون عامة في ترجمة القرآن، حتى إلى اللغات الإسلامية الأخرى.
وهذا الاتجاه تؤيده أدلة نظرية، منطقية في حد ذاتها، ولكن يمكن أن تعارض من اعتبارات مختلفة. ذلك أن القرآن أساساً غير قابل للترجمة، كما هو الحال في الشعر الرصين. إن المتنبئ لا يستطيع أن ينقل نبوءته إلى لغة عادية، يمكنه أن يعبر عن نفسه في صور متكسرة، كما تلعب موسيقى الأصوات دوراً غير محدود في جذب عقل السامع لتلقي الرسالة. مثلاً حالة الترجمات اللاتينية والإنجليزية لكتاب الإغريق والعبريين؛ فقد أعطوا الكلمات الجديدة شيئاً من القوة العاطفية، بدون اعتماد على التركيب - وأحياناً المعنى - الأصلي.
وإن ترجمة إنجليزية للقرآن، ينبغي أن تستخدم تعبيرات دقيقة صحيحة للعبارات الرقيقة الذهبية في اللغة العربية، وفي نواحي القصص والتشريع وما أشبه ذلك، تكون الخسارة أقل خطراً، بالرغم من أن تفكك المعلومات، بل والظلال الجميلة والجوانب البليغة، قد يكون لها تأثير غير محدد. ففي جملة بسيطة مثل (بالتأكيد نحن نحيي ونميت وإلينا الرحيل (المصير):
يستحيل علينا أن نظهر - في الإنجليزية أو أية لغة أخرى - قوة الضمير (نحن) المكرر خمس مرات في الكلمات الست الأصلية.