إننا لن نتطلع إلى معنى القرآن عند العربي، حتى نتبين قيمة الدور الذي تقوم به اللغة في تحديد المواقف السيكولوجية.
فبزوغ الحياة العقلية عند العرب - كما بين الآخرين - قد ازدهر بالخيال، الذي ظهر في الإبداع الفني. ولطالما قيل إنه ليس للعرب فن، وقد يكون هذا صحيحاً إذا حددنا الفن بأعمال كالنحت والطلاء. . . ولكنه يكون تحديداً ظالماً خاطئاً. فالفن هو أي إنتاج يعبر فيه الشعور الجمالي عن نفسه. وهناك شك في حاجة الناس إلى التعبير الفني بأي شكل، سواء في الموسيقى أو الرقص، أو الفنون المادية والنظرية الأخرى. . . وميدان الشعور الجمالي عند العرب هو أساساً الكلمات واللغة، وهذا أكثر إغراء بل أعظم ثباتاً وخطراً من سائر الفنون. إذن فمن السهل أن نفهم السبب في أن العرب - الذين عندهم استخدام الكلام البليغ أسمى الفنون - يرون في القرآن أعجوبة حقيقية وعملاً فوق طاقة البشر.
ولقد كان العرب والمسلمون عامة مجبرين على إنكار الأفكار العالمية مثل (القانون الطبيعي) أو العدل المثالي، وأظهروا الثنائية أو المادية على أنها مؤسسة على طرق مزيفة في التفكير تنتج خيراً قليلاً وشراً كثيراً. وسنرى كيف أن مصلح الإسلام الكبير - في القرن التاسع عشر - جمال الدين الأفغاني، صب جام غضبه على المجددين الهنود الذين حاولوا إثبات صدق الإسلام بمناقشة (تلاؤمه مع الطبيعة). ومع أن العلماء المسلمين قد وجدوا في المنطق والرياضات - مثلاً - فائدة، وشجعوا الأسلوب (العلمي في التفكير؛ إلا أنهم قد أبقوا هذه الأمور في مراتب ثانوية.
والإجماع من مميزات الفكر الإسلامي. وهناك من حاولوا تحديده بإجماع المتعلمين، ولكن حادثاً عجباً في القرن السابع عشر يبين كيف كان هذا النوع لا فائدة منه، حتى ولو آزرته القوة الحاكمة ضد الرأي العام. فعند ما بدأ استعمال القهوة ينتشر في الشرق الأدنى، أجمع العلماء على أن شرب القهوة حرام، وعقوبته مثل عقوبة شرب الخمر. وفعلاً حوكم بعض الأفراد لانغماسهم في شربها علانية! ولكن إرادة المجتمع تغلبت. واليوم يحتسي الجميع القهوة بحرية حتى المتزمتون الذين يعارضون الإجماع في المبدأ.
ومن الواضح أن الإجماع كان دائماً موضع خلاف بين المحافظين والمجددين، وهو ليس مبدأ حرية بل أساساً للسلطة، ولو أن حكمه يقتصر على المسائل التي لم يحكم فيها القرآن