للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهو يجيد بصفة خاصة مدح الملوك إجادة منقطعة النظير، حازت إعجاب معاصريه حتى كانوا يرون من أبرز صفاته القدرة على ذلك. فلا غرو بعد هذا إن كان أثراً عند ملوك بني أمية يعلمون أبناءهم شعره:

خلقه وخلقه

عن الوقاصي قالت: رأيت كثيراً فمن حدثك أنه يزيد على ثلاثة أشبار فقد كذب، وقد تشاجر هو والشاعر الحزين، فقام كثير وحمل على الحزين ولكزه، فحمله الحزين في يده مثل الكرة، ورمى به الأرض. . وهو إلى ذلك دميم أحمر، أما أخلاقه فكان شديد التيه والكبر، كثير العجب بنفسه، تقع من ذلك على نوادر مضحكة. فمن ذلك أن بعضاً من فتيان قريش كانوا يتحدثون على مسمع منه، بأن كثيراً من تيهه لا يلتفت إلى ورائه، ثم يتبعونه بمن يسحب رداءه فلا يلتفت أبداً، وقد عرف عنه أنه أحمق وفيه غفلة، ولسنا نشك في ذلك، ولكننا نشك في عامة هذه الروايات التي تقص علينا نوادر حمقه، والتي توصله من الغفلة والانتكاس في العقل حداً يصعب تصوره، في مثل من هو مثله في قوة شاعريته. . فمن ذلك أنه قال لعمته مرة: أتدرين من أنا؟ فقالت: نعم، أنت فلان بن فلان، فقال: لا، وإنما أنا يونس بن متي!. . . وقال لأصحابه وهو في مأدبة الموت: سترونني بعد أربعين ليلة طالعاً على فرس عتيق من شعاب هذا الوادي. . وقد كان له إلى ذلك آراء في الرجعة والتناسخ، وهذه من العوامل التي جنت عليه في عامة هذه الروايات، فما عرف الناس منه هذا حتى راحوا يختلقون ويضيفون إليه شتى الروايات التي تؤيد مزاعمهم انتقاما من تيهه وكبره، ثم يتعاقب الزمن، فتصبح هذه المزاعم حقائق ثابتة يتناولها الكتاب دون ما نظر ولا تمحيص، وليس لدينا ما يقوي هذا الشك في صدق هذه الروايات، غير ما نلمحه في سيرة كثير من أنه كان محاطاً بزمرة حبب إليها التندر والفكاهة، ومن أولى بهما من هذا القزم الذاهب بنفسه. . من ذلك أن أبا هاشم عبد الله محمد بن علي وضع عليه من يأتيه بأخباره، فكان يلقاه فيحدثه بما كان منه في خلال يومه، وكثير يعجب من هذا، حتى جاءه يوماً بكلام جرى بينه وبين آخر، وقال له: لقد جرى منك اليوم كيت وكيت. . . فقال كثير: أشهد أنك رسول الله. . .

فمن هنا نرى مبلغ ولوع الناس بالعبث به حتى كانوا يرصدون له بمن كان يأتيهم بأنبائه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>