للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لا يسقط منها حرفاً. .

وزاد في الطين بلة أنه كان دعي النسب إلى قريش، وأكثر الرواة يلحقونه بخزاعة، ولكنه يأبى إلا أن يكون من كنانة قريش، ويأبى إلا أن يدل بهذا النسب المختلق على القرشيين أنفسهم، وإذا عوتب في ذلك وأعوزته الحجة قال: لديع النسب في قريش خير من صريحه في غيرها من القبائل. ومن هنا ندرك مبلغ ما انطوت عليه نفسه من حماقة، وما ركب فيه من تبجح وإدعاء.

على أننا إذا شككنا في كثرة هذه الروايات التي تمثل حمقه وغفلته، فلا نشك في انه كان دميماً إلى حد البشاعة، وكان تيهاً بنفسه، وهذا ما يكفي لصد لناس عنه واستثقالهم لظله.

شيعي وشاعر الدولة

من المعروف عن كثير أنه كان متشيعاً مغالياً في التشيع، وكان ملوك بني أمية يعلمون ذلك، ولكنهم يحسنون مع هذا وفادته، بل يذهبون إلى أبعد من هذا في إكرامه، فينعتونه بشاعر الدولة، وتعلل الروايات الإسلامية هذا بلطف مدخل كثير وجلاله في أعين الخلفاء، وهي قولة ليس فيها سداد منطق ولا عمق بحث. . فأين لطف المدخل عند هذا البغيض الروح؟ وأين هذا الجلال عند من لا يزيد طوله على ثلاثة أشبار ومن هو دعي النسب في قريش؟. . ولا سيما إذا علمنا بأن صدر الدولة الأموية لم يكن يتسع للشيعة، فكم أخذتهم بأساليب العنف والقوة، وكم صرعت من جلة الناس، وما حوادث زياد بن سمية وتنقيبه عنهم تحت كل حجر ببعيدة المدى، بل هذا الحجاج في العراق، يقتفي آثارهم ويأخذهم هبراً بالسيف وبعجاً بالرماح.

إذن فلا بد من أن يكون في الأمر شيء غير هذا الجلال المزعوم، ولطف المدخل الموهوم، مكن لكثير من أن يحتمله الأمويون، وأن يستحلفه الخلفاء بمجالسهم بعلي؛ إذا ما أرادوا أن يصدقهم بخبر دون أن يروا في ذلك غضاضة.

ولنبحث بإيجاز في طبيعة هذا التشيع الذي كان يعتنقه كثير فلعل فيه العلة، وما نخال إلا ذلك. . .

نشأت الشيعية فكرة بسيطة، تتلخص في أن علياً وأحفاده أحق بالخلافة من كل من عداهم، ثم أخذت تتطور هذه الفكرة حتى اصبح الشيعيون في هذه لفترة التي نكتب عنها فرقاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>