ذهب إليه من رأى أو الذين رموه بالفسوق لأنه طلب تحكيم الضمير والاستعانة بالعقل فيما يلتبس فيه الأمر من أحكام الإنجيل ولا يتفق في ظاهره مع طبائع الأشياء.
والحق ملتن خليق بأن يثير إعجاب الناس به جيلاً بعد جيل، فقد كان لشخصه من الجلال ولروحه من القوة ولنفسه من العزة ما لا يتوفر مثله إلا للأفذاذ القليلين على فترات من الزمن؛ ولا نجد فيما تحث عنه المؤرخون خيراً من حديث مكولي عن خلقه فلنأت به على سرده. قال مكولي (وبقي بعد ذلك أن نتحدث عن المعين الذي استمد منه خلق ملتن العام عظمته وروعته الخاصة به، فلئن كان قد أتعب نفسه ليقضي على ملك حانث أو سلطة كهنوتية ظالمة، فإنما فعل ذلك مشتركاً مع غيره من الناس.
ولكن مجد لمعركة التي خاض غمارها من أجل ذلك الضرب من الحرية الذي هو أعظم ضروبها قيمة، وإن كان أقلها حظاً يومئذ من إدراك الناس، وأعني به حرية العقل البشري كان بأجمعه مجده وحده. . .
لقد رفع الألوف من معاصريه وعشرات الألوف منهم أصواتهم ساخطين على ضرائب السفن وعلى محكمة غرفة النجم، ولكن لم يفطن إلا قليل منهم إلى ما يعد شره أعظم من ذلك هولاً ألا وهو الرق العقلي والخلقي، ولا إلى ما عسى أن يعود من خير على الإنسانية من وراء حرية النشر، ومن وراء الحكم الشخصي على الأشياء يجري به الرأي غير مقيد بقيد؛ هذه هي الأغراض التي رأى ملتن أنها بحق أعظم الأغراض خطراً، وكان تواقاً إلى أن يرى الناس يفكرون لأنفسهم كما أنهم يشرعون الضرائب لأنفسهم، وأن يتحرروا من سلطان الهوى، كما قد تحرروا من سلطان (شارل)، وكان يعلم أن الذين اعتلوا صنوف الإصلاح هذه ونفوسهم تنطوي على أحسن المقاصد، وقنعوا بإسقاط الملك وإلقاء الملكيين الطاغيين في السجن، إنما سلكوا مسلك الأخوين الغافلين في قصيدته اللذين ألهاهما فرط حرصهما على تفريق الساحر وقبيله فأهملا وسائل تحرير أسيره، لقد فكروا في هزيمته فقط في حين كان ينبغي أن يفكرا في حل ما عقد من طلاسم السحر: (لقد أخطأتما، فإنه كان ينبغي أن تختطفا عصاه وتشدا وثاقه، وذلك أننا وقد فاتنا أن نقلب العصا رأساً إلى عقب ونقرأ في اتجاه عكسي كلمات الساحر ذات القوة التي تفكك الأوصال، لن نستطيع أن نطلق سراح هذه السيدة التي تجلس هنا مغلولة بأغلال شديدة، فهي في مكانها ثابتة لا