وفي غضون الأسبوعين اللذين قضيتهما في موسكو تكررت أمامي المشاهد الدالة على المحافظة إلى أقصى حدودها. ولم يتفق لي ألبتة أن رأيت مطارحة من المطارحات الغزلية الشائعة المألوفة في المدن الأوروبية والأمريكية. فان تلك النظرات الخاطفة التي يتبادلها المارة عادة في باريس أو نيويورك، والتي تعبر عن التناهي بالجمال أو الأناقة أو الإعجاب بهما مفقودة تماماً في موسكو. والذي وثقت منه أن الفتاة أو المرأة في العاصمة الروسية لا تدرك معنى لأدلة الحب والإعجاب، أو هي تأخذ نفسها بواجب تجاهلها فإن أنت أطلت النظر إليها عزَت ذلك منك إلى تبينك لطخة علقت بأنفها فتحاول إزالتها بمنديلها.
وإذا رأيت مرأة جالسة على مقعد في حديقة عامة فلا تخش إذا أنت جاورتها أن تحدجك بغضب، أو تخلي مكانها؛ إذ هي لا ترى في صنيعك ما يريب أو يدعو إلى الاستهجان. وإذا جرؤت على سؤالها عن الوقت أو استطلعتها رأيها في الطقس أجابتك بكل بساطة معينة لك الساعة ومعربة عن شعورها بنقص الحر أو اشتداده بالنسبة إلى ما كان عليه في الأحد الفائت.
ولا يصح أن يُعزَى ما يبديه الذكور في موسكو من الفتور أو التحفظ إلى نقص في جاذبية إناثها، فهن على العكس من ذلك بارعات الحسن، وجمال بعضهن رائع فتان. فهناك الموسكوفيات الذهبيات الشعور السمهريات القوام، والشماليات ذوات البشرة العاجية والأعين الزرق، والقوقازيات الفاتنات اللحاظ المفترات الثغور. ولكن برغم كل هذه المغويات يندر أن يعيرهن الرجال التفاتاً. وحتى اليوم لا أعلم سبباً لهذا الفتور وعدم المبالاة يبديهما الرجال نحو أبرع النساء جمالا سوى اعتبارهم الاحتفال بالجمال إلى حد التدله، إخلالا بالآداب العامة.
ومما يلفت النظر بنوع خاص هو أنه بين زهاء الألفين من اللوحات المصرية المعروضة في المتحف الفني لا يوجد رسم واحد عار. وفي أثناء إقامتي في المدينة أعرت مديرة المنزل دفتراً أودعته ما أوحاهإليَّ خيالي من رسم عارية لآدم وحواء في الفردوس. فلم يكد يقع نظرها على الرسم الأول حتى أعادت إليَّ دفتري قائلة: (اسمح لي أن أعيد إليك