للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بضاعتك إذ لا سوق في روسيا للرسوم البذيئة!)، ولا يتوهمن القارئ أن بين تلك الرسوم ما يريب أو يخدش العفاف؛ فإنني لو كنت في باريس لما تحرجت أن أطلع عليها راهبة في دير سان سوبليس فلا ترى فيها ما يوجب الإغصاء. والأغرب من ذلك أن الكثيرين من أصدقائي في موسكو أكدوا لي أن تلك المديرة لا تعد من المتطرفات في التصون.

وربما كان أشد ما حيرني سلوك الرجال؛ فهم متطرفون في كتمان عواطفهم الجنسية. ومما أذكره في هذا الصدد أنني بينما كنت مسافراً في طائرة أخذت أسلي نفسي بمطالعة عدد من مجلة (ليف) حتى إذا ما استوعبت جل ما يهمني من مواده دفعته إلى ضابطين روسيين مجاورين لي، فراحا يقلبان صفحاته دون أن يستوقفهما ما حفل به من رسول الفتيات ذوات الجمال الرائع والنهدام البارع، شأنهما في ما مرا هـ دون مبالاة من صفحات المواد لجهلهما اللغة الإنكليزية. أما الصفحة الوحيدة التي أطالا فيها التحديق فهي تلك التي تضمنت إعلاناً عن معمل دراجات آلية.

ولا يزال ذلك الاحتشام المحسوس الملموس في روسيا سراً مغلقاً عليّ، وربما كان من أول الأسباب الداعية إليه هو أن النساء في الاتحاد السوفياتي، باستثناء أقلية لا يؤبه لها، أصبحن على قدم المساواة مع الرجال، ففي كل مكان تقوم المرأة بأعمال كانت وقفاً على الرجال، كقيادة الحوافل، وبيع تذاكر السفر في محطات السكك الحديدية؛ حتى أن تنظيف المجاري تقوم به النساء. وكثيراً ما تبصر إحداهم خارجة من الأعماق وقد علت وجهها وثوبها الأقذار بعد أن غاصت فيها بحذائها الساقي الضخم.

ومن الجهة الثانية نرى أن الروسيين قد أعياهم إدراك مفهوم الغربيين للأسلوب الأصلح في العلاقات بين الجنسين. ومن الأمثلة الطريفة على تقصيرهم في هذا المضمار هو ما شاهدته في (فيانا)، فقد دُعي عدد من الفتيات الفرنسيات المجندات إلى حفلة اجتماعية أقامها ضابط روسيون. ومما لا ريب فيه أن الفرنسيات لم يجاوزن في سلوكهن الحد الذي ألفنه مع أبناء جنسهن. وكان الروسيون الذين تجنبوا كل أنواع المنازلة أن رافقوا بكل أدب مدعواتهن إلى منازلهن، ولكنهم لم يتمالكوا أن أبدوا منتهى الاستغراب عندما رأوا الفتيات يودعنهن عند الباب ولم تدع واحدة منهن رفيقها للدخول وتناول فنجان من الشاي أو كأس من الشراب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>