طلب الصدق فعليه أن يطلبه في الفلسفة، فان الصدق في الأدب عدو الخيال، ومن ثم فهو عدو الشعر والقصة. على أن الكاتب الفاضل لا يلبث أن ينسى القاعدة أيضاً، فيرى أن الأدباء البرجوازين يتعامون عن بيئتهم، ويزيغون عنها، ويبتعدون بذلك عن الصدق، وهو مع ذلك يرى في أدبهم قوة تنجيه من اللوم، ثم تراه حين يتحدث عن (الشعر في هذا العصر ونهضته في فرنسا) يدعوا مع الداعين من أبناء الغرب إلى السمو الروحاني والخيال الجامح المليء بالرؤى والأحلام، تراه يدعو إلى (ذلك الشعر الذي يغلب فيه الخيال على العقل، والذي ينطلق كموج الموسيقى، ويتصاعد إلى السماء كالصلاة، ويقصد به الشاعر التغني بالحياة وتمجيد ظواهرها واستبطان هذه الظواهر بواسطة الإشراق الروحي والاتصال من خلالها بالقوة العلوية الخالدة التي أبدعتها) فأين هذا من إنكاره الخيال في الأدب وخصوصاً في أدبنا؟! ولعل هذا التناقض نتيجة انعدام الوحدة في الكتاب كما سبق أن ذكرت
أما باقي موضوعات الكتاب فهي كما أسلفت غريبة الروح والعاطفة، فأنت تقرأ الأدب الأمريكي الحديث وترجمة خمسة من أعلامه، وتقرأ أدب السرعة ومظهره في أوربا، كل ذلك دون أن تظفر بإشارة إلى شاعر من شعرائنا أو كاتب من كتابنا؛ وفي قسم التراجم من هذا الكتاب لن تجد سوى أعلام الغربيين كأميل زولا، وبول بورجيه، ورومان رولان، وهنري دي منترلانن وغيرهم؛ وفضلاً عن ذلك فلن تحس بشخصية المترجم في تلك التراجم، وهي على دقتها واستيفائها لا تخرج في جملتها عما نطالعه في المجلات من لمحات بسيطة في سير هؤلاء الرجال حتى لقد أحسست أن ثقافة المجلات مسيطرة سيطرة قوية على الأديب المؤلف في هذا الباب
حتى الأقاصيص تجدها معربة تشرح بيئات غير بيئتنا ومجتمعاً غير مجتمعنا، ومثلاً غير مثلنا. نعم لا ضير على الأديب أن ينقل إلينا ما استحسن من النماذج بين حين وآخر، ولكن على شرط أن يشعرنا بألحاننا ويرينا من ألوان ثقافتنا وصور حياتنا ما يؤنسنا وسط هذا الضجيج الغربي الذي نخشى أن يعوق تقدمنا، ويمحو ذاتيتنا، ويحول بيننا وبين الأصالة والخلق، ويقطع الصلة بيننا وبين ماضينا الحافل
ولست أشك في أن الأستاذ إبراهيم المصري بذكائه ونشاطه واستعداده قمين أن يجول في