أدبنا المصري الناشئ جولات تعود علينا بالخير، إن هو وجه إليه بعض عنايته
يأتي بعد ذلك الكتاب الثاني (قصص الحياة في الأسرة والمجتمع) للمربية الفاضلة السيدة نور الهدى الحكيم، ويقع في نيف وثلثمائة صفحة، وذكرت مؤلفته أنه مؤسس على نظريات التربية وعلم النفس والاجتماع. ولقد قرأته فألفيته يدور كله حول المرأة وعلاقتها بالرجل، وهو يضم إلى ما به من أقاصيص بعض نظرات في الحياة (كاستفتاء في حادث خلقي) والمجتمع الحديث للأسر المصرية، وتطور الآراء في تربية المرأة. وهذا الكتاب يتناول المجتمع المصري والبيئة المصرية في الكثير الغالب من موضوعاته، حتى لتكاد تنعدم فيه الصبغة الغربية، على الرغم من أن صاحبته عاشت في أوروبا زمناً، وهي ظاهرة نحمدها لها؛ فما أحوجنا إلى من يتناول حياتنا بالشرح والتحليل في إخلاص وعطف. ولقد أحسست الإخلاص والتحرق إلى الإصلاح في هذه الأقاصيص الساذجة، وأعجبتني تلك الروح الطيبة؛ فالكاتبة لا تشير إلى عيوبنا إشارة المترفع المستكبر الذي يباهي بمدنية غيره، ولن يهمه سوى إظهار نقائصنا وعرضها في شكل فضائح كما يفعل شبابنا، بل تراها تعرض لها في رفق وهوادة، ولن تقتصر على الموقف السلبي منها، وإنما تذكر اوجه العلاج وتشرحها جهد طاقتها، وهي كما أذكر طريقة حميدة وروح محمودة. هذا إلى أن الكاتبة الفاضلة قد وفقت إلى أسلوب بسيط مقبول، تراه وإن لم يرضك كثيراً من ناحية البلاغة، لن يثقل عليك ولن تمله
غير أني أرى بناء القصة عندها ضعيفاً، ولعلها لا تسير فيها على قاعدة ولا تنتهج طريقة، وإنما يختلج الرأي في رأسها فتلبسه ثوب القصة في أي وضع، جاعلة نصب عينيها إبراز الفكرة وتوضيحها بطريقة سهلة غير طريقة الدفاع والمناقشة. ولعلها لم تفكر قط في بناء تلك الأقاصيص؛ والحقيقة أنها أقرب إلى (الحكايات) التي تدور بين جليسين منها إلى القصة في وضعها الفني، فأنت إذا طلبت الاستمتاع الفني عند قراءة هاتيك الأقاصيص لن تظفر به في معظمها، أما إذا طلبت الرأي والعاطفة فهي متوفرة لديك
هذا إلى أن الكاتبة النابهة، أقوى شخصية وأشد تأثيراً وأسمى بياناً في المقالة عنها في القصة، فلقد أعجبت حقاً بمقالها (تطور الآراء في تعليم المرأة وتربيتها) وتلوته مرتين مستمتعاً بما جاء فيه من آراء صائبة، وما تجلى في ثناياه من روح متوثبة