وهذه دعوة ثانية للشاعر (سنطور) الملقب بالعطار الفارسي وقد لاقت إقبالاً كبيراً عند خاصة الفرس وعامتهم:
(ملت إلى شفة الكأس الصينية المزخرفة
لارتشف منها ما ينبه حواسي الجسدية
وبينما الشفة على الشفة،
همست شفتيها الرطيبة:
اشرب ما دمت حياً
فاللذة ستفقدها بعد حين وعندها تمسي الحياة بلا جمال)
وزاد العلامة الأسباني على أدلته البليغة في كتابه قوله: إن الشعب الفارسي لم يرض بالذل والهوان، ولم يألف الانكماش والتواني إلا بعد أن فقد أخلاقه في أدبه واتجاهات حياته. هذه حقيقة ناصعة لا تقبل التأويل والاعتراض؛ لأن انحطاط الأخلاق فاتحة لتضعضع الأفراد والجماعات وهو أشد خطراً على المجتمع من الضعف المادي نفسه. وما أصدق كلام الشاعر العربي:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وهوت الدولة الفرنسية في الحرب الخيرة أمام عدوها التاريخي اللد، فلم تغن عنها حصونها المنيعة ولم يجدها نفعاً جيشها المدرب. وغدت باريس - عاصمة النور - مسرحاً لعدوها المنتصر الذي طالما حلم بانتهاك تلك المدينة العظيمة التي ارتفعت تحت سمائها الصافية تماثل الجبابرة ودور العلم والاختراع ومتاحف الفن والجمال، وكلها تحتفظ بالذكريات الخالدة خلود الدهر.
وقد تبارى فريق من أمراء اليراعة في تشخيص هذه الفاجعة وتحليل أسبابها فقال أندريه موروا الكاتب العالمي أن تفكك بلاده كان سببه قلة السلاح. وأكد جول رومان صاحب المؤلفات القيمة في علم النفس أن تدهور أمته يعزى إلى خمول الساسة وزيغ أصحاب المقامات العليا. ونسب جاك ماريتان وشارل مورا وسواهما من انصار الملكية إنكسار الامبراطورية إلى الاشتراكية وغيرها من الآفات. . . ما خلا الحكيم الكبير والمصلح الاجتماعي رومان رولان فقد خالف أقرانه وجلا بوضوح وجرأة نكبة الشعب الفرنسي