وأسبابها التي مهد لها الضعف الأخلاقي الذي تمشى في الأوضاع الاجتماعية والأدبية بعد الحرب الأولى قاضياً على عزة النفوس، وأمسى الرجل المسئول لا يفكر إلا في قضاء شهواته الحقيرة!
فهل صحيح قول هذا الحكيم؟
إن من تدبر الأدب الفرنسي الحديث الذي ظهر بعد أن عصفت زعازع الحرب الأولى على العالم مكتسحة من الحياة كل ما يجمل الحياة. . ويقر بحقيقة ما يقوله هذا المفكر البصير الذي عالج قضايا المجتمع في كتابه (جان كريستوف) بما لم يعالجه قبله أحد من كتاب الغرب. وحسب القارئ أن يقابل بين إنتاج أعلام الماضي وأدباء اليوم حتى يدرك موطن الحق وإن يكن جارحاً، ويحبس موضع الداء وإن يكن مؤلماً.
وعندي أن هذا النوع من الأدب الحديث هو الذي جنى على الأمة الفرنسية إذ أفسد أخلاقها وأمات فيها تقديس الكرامة وتلك النزعة إلى الحرية التي اشتهرت بها على مدى العصور. وأنا لم أقرأ رواية من هذه الروايات الماجنة المستهترة التي ظهرت بعد الحرب الأولى إلا رأيت الحب الجنسي والميول الساقطة تكاد تكون كل شيء، فلا يستوقف المطالع من شؤونها الطويلة العريضة سوى تصوير أمور شاذة معيبة يندى لها الجبين حياء وخجلاً لأنها تحمل في طواياها العفونة والفساد مع الإغراء الفاضح المتهتك. . .
وأكثر من شط هذا الباب زعماء مذهب (اللاوعي) الذي يلاقي اليوم أكبر تأييد في الشرق العربي وعلى الأخص في لبنان. ولزعماء اللاوعي شبه جنون في درس المسائل الجنسية فلا يرون في العالم شيئاً خلافها يستحق الاهتمام، وهكذا لا تجري أقلامهم إلا بوصف الشهوات وتفاعيلها وبكل مثير للأهواء ودوافع إلى الاستهانة بضوابط النفس والنظم الاجتماعية.
إليك مثالاً من هذا الأدب وهو للشاعرة (جان فالكر):
(لا أريد النوم!
إذ في النوم غفلة القلب، وغياب الحب، وحياة تمر ضياعاً قد أطوق ذراعي وأنا نائمة، ولكن فمي لا يقول للحبيب: اقترب
ومتى غرقت في سبات عميق تسكن همومي فلا أعود أشعر باللوعة تضني قلبي وتحطم