الفريق من رجال السوء الذين يستغلون ذهنية الجماهير لأنفسهم ويسخرونها لأهوائهم، فإذا ما تناسى المصلحون شأن الدهماء، وإذا ما أغمضوا أعينهم عما في نفوسها من حقير العواطف وفي عقولها من ساذج الإدراك، فقد يقوم هذا النفر المستغل يدعو بالويل والثبور، ويرفع عقيرته البغيضة نافخاً في الجماهير روح الفرقة، عاملاً على صدع الصف، ضارباً بآمال المصلحين عرض الأفق فتصبح الآمال الحية أشلاء أباديد، فيجب على القائمين اليوم بأمر الإصلاح - والحال هذه - أن يقيموا الأوزان للجواهر قبل الاعراض، وأن يحفلوا باللباب دون القشور، وأما الأعراض وأما القشور فليس من ضير علينا أن ندع للذين يحفلون بهما أمر ما يحفلون به حتى يتبين لهم أن العرض عرض فينبذونه، وأن القشر قشر فيطرحونه؛ وليس من ضير علينا أن نستكفف شر ذلك النفر العائش على تمليق العامة بأن نحسم بعض القضايا التي يتخذها القوم هؤلاء مطية للغرض الأدنى، ووسيلة لإثارة النعرات المفرقة، وهيج العواطف الحانقة.
وفي طليعة هذه القضايا التي يطل رأسها اليوم - ورجالنا المصلحون يجهدون بجمع الشمل ورأب الصدع - قضية تقف بطائفتي المسلمين. السنة والشيعة على مفترق الطريق - والعياذ بالله - بعد أن كان يغمرنا موج من الفرح لهذه الظاهرات المباركة الطالعة علينا هنا وهناك ببشائر الوحدة الإسلامية المنشودة، ذلك أننا اليوم - حين نكتب هذه الكلمة - نعيش في شهر من الشهور التي تحمل إلينا من ذكريات الماضي البعيد صوراً ذات ألوان مختلفة. وأشكال متباينة في ظاهر الأمر، وإن هي كانت في الجوهر والروح، وفي نظر الذين يزنون الإسلام بميزانه الصحيح متسقة أحسن الاتساق، منسجمة أكمل الانسجام. إننا اليوم في شهر محرم الحرام، وشهر المحرم هذا ذو صفحتين من الذكرى كلتاهما ذات خطر عظيم، وكلتاهما ذات شأن كبير في نفوس المسلمين؛ ففي إحدى صفحتيه يحمل ذكرى هجرة المنقذ الأعظم، رسول الله، محمد بن عبد الله، عليه صلوات من ربه وبركات، ذكرى هجرته إلى يثرب حيث قامت سوق الإسلام وعمرت، وحيث استفاضت أنوار الشريعة الغراء لألآءة الرواء، ضافية البهاء، ثرة الأضواء؛ ويحمل في صفحته الأخرى ذكرى عاشوراء، ذكرى حادثة الطف الدامية حيث استشهد ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسين بن علي مجاهداً في سبيل الحق، وحيث نجم - لأول مرة - قرن الانقلابات