هاتان صفحتان من الذكريات الإسلامية ذات الشأن يحملهما شهر المحرم، ويطلع بهما على المسلمين، فتستقبله طائفة من ناحيته الأولى فتجعل يوم مطلعه عيداً ميمون النقيبة، محمود الأثر، أغر الجبين، وتستقبله طائفة من ناحيته الثانية فتجعل يوم استهلاله مأتماً قاتم اللون، أغبر الوجه، دامي القلب؛ وتنظر - من بعد - كل طائفة إلى أختها النظر الشزر، وتتباعد وجهة النظر، وتتسع شقة البين، ويطل النفر المستغل برأسه وينفخ في بوقه؟ وهذا هو الشر المستطير الذي نريد أن نكفكف من عاديته في وجه الحركة الإصلاحية القائمة اليوم، وهذا هو الأمر الجلل الذي نحاول أن يخفف المصلحون من سورته، وهأنذا أضع - في ختام هذه الكلمة - اقتراحاً على رجالنا العاملين في حقل الوحدة الإسلامية، أرجو أن يجدوا فيه حلاً حاسماً لهذه القضية التي يرى القارئ خطورتها. وأرجو إلى إخواننا علماء الأزهر المصلحين أن يقولوا كلمتهم في (الرسالة) الكريمة حول هذا الباب ليرى العالم الإسلامي رأيهم المحترم المرموق بالتقدير:
يجمع المؤرخون - يا سادتي - على أن مقدم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة كان في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، أي بعد أول المحرم بشهرين واثني عشر يوماً، كما جاء في تاريخ الطبري ج٢ ص٢٥٣ باب (ذكر الوقت الذي عمل فيه التاريخ)، وفي مروج الذهب للمسعودي ج١ ص٤٠١، وفي غيرهما من مصادر التاريخ الإسلامي الموثوق بروايتها؛ وتدل الروايات في هذا الباب على أن أول من أمر بالتاريخ في الدولية الإسلامية هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وأنه هو اختار هجرة النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ للتاريخ الإسلامي، وقال يومئذ كلمته الصادقة الحكيمة حيث جمع الناس للمشورة، فقال بعضهم: أرخ لمبعث رسول الله، وقال بعضهم: أرخ لمهاجر رسول الله، فقال:(لا بل نؤرخ لمهاجر رسول الله فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل)، وتدل هذه الروايات نفسها كذلك أنه هو - عمر - اختار شهر المحرم مبدأ لشهور السنة الهجرية قائلاً أيضاً نبدأ بالمحرم (فهو منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام) والحق فيما قال من هذه الناحية، غير أنني أقول الآن:
مادام قد وقع الاختيار على بدء السنة الهجرية بشهر المحرم لهذا الغرض الذي جاء في