للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه النظرية على نحو دقيق وإنما طبقتها أمريكا. والأمر في العلاقة بين رجال الفكر ورجال السياسة عندئذ شديد الشبه بالعلاقة بين رجال العلم ورجال الصناعة. فالعلماء يكشفون عن قوانين المادة التي تمكن من تسخيرها للإنسان ويصوغون قوانينهم معادلات جبرية، ويأتي رجال الصناعة فيستغلون تلك القوانين والمعادلات في الإنتاج الاقتصادي والإثراء به. ولكن الوضع بين العلماء والصناع قد يكون مقبولا على نحو ما هو الآن، بينما هو بين المفكرين والسياسيين محفوف بأشد المخاطر على سلامة الأمم واستقامة الحكم فيها. ولقد تعقدت أمور الحياة العامة في العصر الحديث بحيث لم يعد كافياً لقيادة الأمم أن تكون وطنياً مخلصاً أو ذا وجاهة اجتماعية، بل لابد لك من ثقافة عامة شاملة حتى تعالج الأمور على نحو سديد مستنير

وعندما يصبح السياسيون من قادة الفكر ستتحدد العلاقة بينهم وبين بيئاتهم. فللرجل المفكر في وسطه مهمتان: أولاهما أن يبصر قومه بحالتهم الحقيقية، حتى يعوا ما هم فيه من شقاء وتخلف، وذوو النظر مجمعون على أن البؤس ذاته لا يحرك الشعوب، وإنما يحركها أن تفطن إلى ما هي فيه من بؤس. ولعل في حالة الفلاح المصري أوضح دليل على ما نقول، ومهمته الثانية هي أن يسبق الأمم إلى آمالها الغامضة، ومن هنا ترى أغلبية الكتاب المفكرين من الداعين إلى الأفكار المتقدمة، فهم رسل الرجاء وبألسنتهم تشكو النفوس آمالها وتتطلع إلى سعادة أتم. وهذا هو السر في أنهم يعيشون دائماً في كفاح مع بيئاتهم وكثير منهم لا يستجاب لندائه إلا بعد موته بسنين؛ فعندئذ يقر لهم بالفضل وتقام لهم النصب وتنزل آراؤهم من القلوب منزلة الإيمان

محمد مندور

<<  <  ج:
ص:  >  >>