ولا تسل عما كان يدور حينذاك من مفاكهات عفة. وملح آبدة، ونوادر طريفة، ساقها فرسان مشهورون في مصر في هذا المضمار، مصلون به، والفكاهة والظرف والتندر من الغرائز التي طبع عليها المصري، وهي من خصائص دمه لا تفارقه، والذي يزيد فيها قوة وحسن وقع في النفس أنها تمرق من اللسان عفوا وتنطلق من غير تكلف وتعمل. . تزجيها الطبيعة، ويقذف بها الظرف الملائم، ولسرعة البديهة وحدة الخاطر أثر لا ينكر في سوقها. .
انتهى محفل الغذاء فجلسنا بعد برهة قصيرة حتى اقترب موعد سفرنا من مصر في ذلك اليوم، فتنازعنا عاملان: عامل البقاء والاستمتاع بهذه الأحاديث الطلية، وعامل الجلاء إلى حيث ينتظرنا القطار الذاهب إلى فلسطين، وفراق مصر على مضض، فتغلب العامل الثاني وإذا نحن في قطار المساء يزفر زفرة الوداع، وإذا بنا نودع من عز علينا وداعهم. وإذا بنا نستعرض صفحات وذكريات ماضية وإذا بنا نفارق أرض مصر وندخل في أرض الميعاد. . .