تختلف طبيعتها باختلاف التطور الحضري. ومن هذا نتبين أمرين:
أولهما: أن السلوك الديني غريزة طبيعية يمتثل إلى ندائها الفرد لأنها خلقت فيه.
ثانيهما: أن هذه الغريزة تتخذ في بعض الأطوار شكلاً يجعل منها ذخيرة ثقافية تتحكم في الأوضاع الاجتماعية بالإضافة إلى كونها ذخيرة روحية تتحكم في علاقة المرء بربه سواء أكان هذا الرب صنما أم عجلاً كما هو الحال في المجتمعات البدائية، أم إلهاً فرداً صمداً كما هو في الأديان التوحيدية.
وإلى الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي (أميل دير كهايم) يعود فضل كبير في دراسة هذه الوظيفة المشتركة (الروحية والدنيوية) للدين دراسة علمية على ضوء ما ألم به من معرفة بالمجتمعات البدائية وتحليله للمجتمعات الحضرية.
فقد ثار دير كهاين ومعه (باريتو) على الفلسفة الواقعية التي سادة أوربا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر التي كانت ميالة إلى الحط من قيمة الدين إثر انتشار الفلسفة الدارونية (نسبة إلى داروين) وماركسية في أوربا، وفلسفة الذرائع (البرجماتز) في أمريكا.
قام دركهايم - وإلى حد ماربيتو - بدراسة وظيفة الدين المزدوجة على نهج جديد، فلم يعتمد دير كهايم على المتفلسف في دراسة الدين ولا على استنساخ الشواهد العلمية من التاريخ الديني، وإنما لجأ إلى دراسة الموضوع دراسة مفصلة في مجموعة إنسانية معينة من سكان استراليا الأصليين.
وأن يعنينا في هذا البحث أن نستعرض تفاصيله ودراسته، وإنما يهمنا أن نتعرف استنتاجاته الرئيسية.
واستنتاجات دير كهايم على نوعين: واحدة تعالج فلسفة المعرفة والأخرى تعالج علم الدين الاجتماعي. وكلاهما عند دير كهايم متواكل متشابك.
ويرسم دير كهايم خطين في مستهل دراسته فيطلق على الأول ما سماه (قدسي) ويطلق على الثاني (دنس) ويضيف دير كهايم تحت هذين الخطين أشياء ملموسة ومحسوسة. وهذا التصنيف لا يحدد الصفات الجسمانية بطبيعة تلك الأشياء وإنما يحصر ذلك لتحديد في مفهوم الناس لها ومبلغ تأثرهم بها وسلوكهم إزاءها.
فالأشياء القدسية في تعريف دير كهايم هي تلك التي ينطوي مفهوم الناس لها على فضائل