الحي وأواسطه وتناولوا الطعام مع ضيف الأمير. ومضى الأمير يفعلها كل صباح ويزيد العدد المنحور ناقة ناقة إلى اليوم العاشر؛ ومضى الضيف يزداد لجاجة في الاحتجاج وإلحافاً على الأمير أن يقتصد في ماله فلا يتلفه هذا الإتلاف، ولكن بلا جدوى.
وتقدم الضيف بعد اليوم العاشر بطلب إلى الأمير أن يجري امتحانه، فلقد طال ثواؤه وعيل صبره وافتقده أهله، ولكن كم دهش وكم حلَّ عزمه اليأس والخيبة إذ فاجأه الأمير:
أي ضيفنا! يعز علينا أنك خسرت الرهان وفاتك الفوز، فلتذعن إذا لجزائي المفروض وتستكن.
عندها أجاب الخاطب المحنق محتجاً بأنه لم يجر عليه امتحان ليعد فاشلاً يستحق العقاب، وطلب إلى الأمير أن يفسر له ما يدعي إن يكن يروم الإقناع بالدليل والبرهان، ولكن الأمير أصر على أنه خسر الرهان وأن ليس حاجة إلى التفسير ثم أشار إلى غلمانه أن يتسلموه. . .
وقام صاحبنا ينكث أذياله وغادر الحي بناصية مجزوزة، ومائة أثر في ظهره لمائة جلدة، وصدر يغلي بالحقد ومرارة الفشل، واعتقاد جازم أن بصاحبه الأمير لما أو لمماً إن لم يكن ذا جنة وخيال.
وذاع أمر المحنة والجزاء ثم ما أصاب أول الخاطبين من جز الشعر والضرب الأليم. إلا أن ذلك لم يوئس الخطاب بادئ الأمر ولم يمنعهم من الوفود على الأمير علهم ينجحون من حيث فشل صاحبهم. على أن نصيبهم لم يكن بخير من نصيب أولهم، فكلهم كان يعود باللمة المجزوزة والظهر المجلود، ولولا أن الأمير كان برجاله وفروسيته عزيز الأبطال لكان لهم معه شأن غير ذلك الشأن، ولنالوا منه بحد السيف ما فاتهم بالامتحان.
وبعد الفشل المتوالي الذي مني به عديد الخطاب تجافى الخاطبون مضارب الأمير وعافوا الوفود عليه خاطبين، إلا فتى شريفاً جاء من أطراف البادية وآلى ألية لينالن سلافة أو يقتلن أباها ويربح البادية من عتوه أو يهلكن على حد السيوف دونهما.
ولم ير فتانا أن يثقل كاهله بنفيس الحلل وغالي الثياب، ولم يسق بين يديه الهدايا والطرف، واكتفى ببزة بسيطة وتخفف من كل ما يحمل المسافر إلا سيفه القاطع وبعض الزاد، وسار يغذ السير أياماً إلى أن وافى الأمير وحل ضيفاً عليه وأبان غايته من الوفود عليه.