ونعود الآن لنقول ثانية: إن هذا الاتجاه الحادث في دفة الحركة الإصلاحية، يزيد في اطمئنانا إليه أن بين عوامله وأسبابه فهم أولي الشأن من طوائف المسلمين حقائق الحياة المحدقة بهم وأسرار الروحية الإسلامية السمحاء، وأن في صف العاملين عليه طائفة رجال الدين، ورجال الدين هؤلاء المساهمون في هذا الاتجاه ليسوا من الأزهر الشريف وحده، وليسوا من النجف المقدس وحده، ولكن المعهدين الشقيقين كليهما يمدان الفكرة الجليلة المنشودة:(الوحدة الإسلامية) بروح منهما وبسبب من عندهما بليغي الأثر، كريمي العنصر، طيبي المنبت، وهاهي دار (الكنانة) العزيزة، زعيمة هذه الفكرة المثلى وحاملة المشعل المقدس اليوم قد شهدت منذ أيام عالما جليلا من علماء النجف يحاضر في دار جمعية الشبان المسلمين في موضوع (الوحدة الإسلامية) بروح من التسامح جليل البادرة، ويجتمع إلى عظماء البلد الإسلامي الكريم يحادثهما حول هذا الشأن فيلقي في رجال العرش المؤثل الرفيع كل العطف، ويشهد في أوساط الأزهر العظيم أبلغ المثل على نضج الفكرة، ويأنس من علية البلد وزعمائه الأبرار ومن حملة العلم والقلم ورجال الفكر فيه - ألمع الدلائل على قرب اليوم السعيد، إذ يصبح المسلمون إخواناً كأنهم البنيان المرصوص تظلهم جميعاً راية التوحيد العليا.
ولكننا - ونحن نعرض لهذا كله - نرى من واجبنا أن نقول كلمة في مرحلة ثانية للموضوع، وهي التي أردناها أول ما أردنا أن نكتب في هذا الباب، ذلك أن للموضوع مرحلتين: أولهما - حاجة الأمة الإسلامية إلى الوحدة الشاملة الكبرى، وهذه قد فرغ الباحثون من التدليل عليها، ووضعها في ميزانها الصحيح، وفرغ كذلك المصلحون منعقد الضمائر على الإيمان بها وجعلها مثلاً أسمى تستهدفه النفوس، وتستهون في سبيله الجهود. والمرحلة الثانية هي: قضية العوامل والأسباب القرب أثراً وأعظم فعلا في تحقيق هذه الأمنية الغالية والمثل الرفيع.
هذه المرحلة الثانية قال الكاتبون والمصلحون فيها ما شاؤا، ولقد طلع على العالم الإسلامي منذ أعوام بعيدة أو قريبة، رأي بهذا الشأن عرفه السوريون أكثر من غيرهم، إذ نشأ - أول ما نشأ - في ديارهم، ويقول أصحاب هذا الرأي إن الخلافات المذهبية - ولاسيما بين طائفتي السنة والشيعة - هي مصدر الفرقة، وهي مصدر البلاء والشقاء، وإذن فلنعمد إلى