قلع هذا الوباء من أصله، ونجذه من جذوره، بأن نجمع المسلمين كافة على مذهب واحد يستخلص من مجموعة هذه المذاهب على ضوء القرآن والحديث، ولكن هذا الرأي لم يكد يظهر حتى اختفى دون أن يثير وراءه جدلا ولا بحثا، ودون أن يترك بعده صوتاً لنادب عليه أو شامت به؛ وهاهو ذا اليوم يظهر ثانية على لسان سماحة العلامة الزنجاني - ومن النجف كذلك -، فإذا هو يلقي هذه المرة في مصر وفي ديار الشام غير ما لقي أول مرة، وإذا هو موضوع بحث وعناية من العلماء ورجال الفكر وأولي الشأن الجليل في القطرين الشقيقين. وبينا نفكر في إدلاء دلونا بين الآراء في الموضوع وإذا (الرسالة) الرفيعة تطلع علينا فنستقبلها بالهمة الروحية التي نستقبلها بها في كل مرة، ونقف - أثناء سبرها - على مقال جليل للأستاذ الشيخ عبد المتعال الصعيدي في الموضوع نفسه وبعنوان:(الوحدة الإسلامية) وللأستاذ حرمة في النفس حملتنا على أن نجمع الفكر إلى مقاله، فإذا هو يقول فيه ما كنا نحاول أن نقول في الموضوع قبل ذلك، وها نتقدم إلى (الرسالة) الغراء بهذه الكلمة العاجلة تأييداً لرأي الأستاذ الصعيدي الذي تفرد به بين من عرضوا لهذا (المشروع) بشيء من القول:
في الحق - يا سيدي الأستاذ - أن محاولة توحيد المسلمين عن هذا الطريق الذي يقولون، لهي - شهد الله - عامل جديد على توسيع شقة الخلف بينهم، وتهديد هذا الكيان الحاضر - على هزاله - بالاضطراب فالاضمحلال.
ليس هذا أوان التلبيس والإبهام ونحن نبحث أمراً حيوياً له خطره وله عواقبه الجليلة ونتائجه المرموقة، فلنقل - إذن - بصراحة: إن خلاف الطائفتين في أصول العقائد حقيقي، وليس هو - كما قالوا - ظاهري قشري يستطاع (تصفيته) في اجتماع أو مؤتمر أو ما يشبه هذا. ولنقل كذلك - بمثل هذه الصراحة -: إن من العسير، بل من المتعذر، أن نحمل أية من هذه الطوائف على التزحزح عن مبدأ واحد من مبادئها أو أصل واحد من أصولها - قيد شعرة، بعد أن أصبحت هذه المبادئ والأصول عقيدة في العقائد. ولا نظن السادة أصحاب هذا الرأي يجهلون أن العقيدة جزء من كيان المرء لا ينفك عنه مادام كياناً ينسب إليه ويتميز به، ونظننا في غنى عن التبسيط بهذه الناحية، وفي مباحث العلوم النفسية والاجتماعية وفي منطق الواقع نفسه ما يغني عن التبسط والتدليل