ومحمد عوف مجلد الكتب في (الكسيح) هذا الرجل القوي الشخصية الجبار الجسم الذي بسط سلطانه على صبيه، فأسره وأحاطه بالأغلال والقيود، فما استطاع الغلام التملص أو الفكاك من الأسر حتى بعد أن بتر الترام ساقي معلمه وغدا عاجزاً كسيحاً يصب لعنته على الناس أجمعين.
وعادل الدرديري في (إفلاس) هذا الشاب الطموح الجامح القلق، الذي ضاق ذرعاً بالمدينة وتقاليدها وسخفها ومفاسدها ونفاقها، وحن إلى الريف في هدوئه وبساطته وطهره. . فلما اختبره اجتواه وارتد عنه حائراً لا يدري كيف يعيش ولا كيف يعيش هؤلاء السعداء على نسق ونظام وقانون!
وعلى هذا المنوال الحسن باقي قصص الكتاب، وكلها من أقوى القصص المصرية الرائعة.
وأبطال تيمور على العموم مرضى يحيون في دائرة ضيقة خانقة، ويحسون بثقل الحياة عليهم، ومع هذا لا يتحركون ولا يفكرون في التحرك. . لتغيير مآلهم. . أبداً خاضعين مستسلمين لمن هو أقوى منهم، ولهذا لا تأسف على فراقهم ولا ترسل الدمع وراءهم، وهم يخرون صرعى في ميدان الحياة، لأنك تشعر في أعماق نفسك بأنهم لا يصلحون لغير الموت.
وتيمور مغرم بهذا النفر المريض من الناس غراماً كبيراً، وهذا ما كان يعيبه النقاد على تشيكوف، وهو أنه ضيع عمره وقضى حياته في وصف قوم مرضى لا خير فيهم، ولكن هؤلاء المرضى هم غالبية الطبقة العامة التي يصورها المؤلف. وتشيكوف كان يصف روسيا المريضة، وتيمور يصف مصر المريضة أيضاً. . والقصصي الواقعي ينتزع أبطاله من صميم الواقع. . . فإلى أن ينشأ جيل قوي جديد بدل هذا الجيل المريض العاجز سيستمر تيمور يعالج حياة هؤلاء المرضى ويسخر منهم ويتركهم صرعى عاجزين.
وبعد فهذه كلمة قصيرة عن كتاب جديد يستحق عليه صاحبه التهنئة والإعجاب والتقدير.