للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أنه فرض علينا صوم شهر رمضان كما كان فرض صوم شهر رمضان على النصارى، وكان يتفق ذلك في الحر الشديد والبرد الشديد فحولوه إلى الربيع وزادوا في عدده عن الشعبي والحسن. فالمراد بقوله الذين من قبلكم النصارى على قول الحسن والشعبي. وأهل الكتاب من اليهود والنصارى على قول غيرهما.

وقال الشيخ نعمان أفندي آلوسي زاده من وعاظ الأتراك في كتابه (غالية المواعظ) في تفسيره الآية أي كما كتب على من سبقكم من الأنبياء عليهم السلام والأمم من لدن آدم عليه السلام إلى عهدكم. واختلف المفسرون في وجه التشبيه ما هو فقيل قدر الصوم ووقته؛ فإن الله تعالى كتب على اليهود والنصارى صوم رمضان فغيروا. وقيل وجوب مطلق الصوم.

وأقول أنه لا ريب أن في الصوم تربية صالحة للنفس وفيه تدريب لها على العفة والكف عما لا تبيحه الشريعة الأدبية ويأباه النظام المتبع وأن شهر رمضان من خير الأوقات للتعود على ضبط النفس ونعني به اعتدال الميل إلى اللذائذ وخضوعه لحكم العقل وليس ذلك مقصوراً على اللذائذ الجسمية بل يشمل أيضاً اللذات النفسية كالانفعالات والعواطف فلا يسمى الشخص ضابطاً لنفسه إلا إذا اعتدل في لذاته الجسمية من طعام أو شراب واعتدل في انفعالاته النفسية فلم يغضب لأي دافع. وكثير من الرذائل يرجع سببه إلى عدم المقدرة على ضبط النفس الذي يدعوه الإنكليز

ويجعلون له إلاهيته الكبرى في صلاح سيرة المرء وسلوكه. وقد اشترط في كمال الصوم مراعاة آدابه ومنها كف الأذى عن الناس وضبط العواطف. وأن من الأمور التي تتردى في أوبائها إذا أضعنا ضبط النفس الشراهة والدعارة والطمع والإسراف والغضب والسخط والثرثرة والإدمان على المسكرات والقمار وارتياد المراقص ومسارح الخلاعة والتهتك. والصوم إذا عود المرء على ضبط النفس أداه إلى فضيلة عالية تجعله سيد نفسه وترفعه أن يكون عبداً لشهواته تسيره كما تشاء وقد حض الصائم على نبذ السفاهة وكف الأذى عن عباد الله ومن ذلك قول الشاعر الإسلامي جابر

إذا لم يكن في السمع مني تصاون ... وفي بصري غض وفي منطقي صمت

فحظي من صومي هو الجوع والظمأ ... وان قلت أني صمت يوماً فما صمت

قال في المنجد: تصون وتصاون من العيب حفظ نفسه منه فالشاعر يدعو كف كل الحواس

<<  <  ج:
ص:  >  >>